قَالَ: حَدثنِي عمرَان بن عد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف الزُّهْرِيّ قَالَ: لمّا وَلِي الحَجَّاج بن يُوسُف الْحَرَمَيْنِ، بعد قتل عبد الله بن الزبير استحضر إِبْرَاهِيم بن طَلْحَة بن عبيد الله وقربه فِي الْمنزلَة فَلم يزل على حَاله عِنْده، حَتَّى خرج إِلَى عبد الْملك زَائِرًا لَهُ فَخرج مَعَه فعادله لَا يتركُ فِي بره وإجلاله وتعظيمه شَيْئا، فَلَمّا حضر بَاب عَبْد الْملك حضر بِهِ مَعَه، فَدخل عَلَى عَبْد الْملك فَلم يبْدَأ بِشَيْء بَعْدَ السّلام إِلَّا أنَّ قَالَ: قدمت عَلَيْكَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِرَجُل الْحجاز، لَمْ أدع لَهُ وَالله فِيهَا نظيرًا فِي كَمَال الْمُرُوءَة وَالْأَدب والديانة، وَمن السّتْر وَحسن الْمَذْهَب وَالطَّاعَة والنصيحة، مَعَ الْقَرَابَة وَوُجُوب الْحق: إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه وَقد أحضرتُه بابك لتسهّل عَلَيْهِ إذنك وتلقاه ببشرك وَتفعل مَا تفعل بِمِثْلِهِ مِمَّن كَانَتْ مذاهبه مثل مذاهبه، فَقَالَ عَبْد الْملك: ذَكّرَتْنا حَقًّا وَاجِبا ورحما قَرِيبا، يَا غُلَام ائْذَنْ لإِبْرَاهِيم بْن طَلْحَة، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قرّبه حَتَّى أجلسه عَلَى فرشه، ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا ابْن طَلْحَة! إنَّ أَبَا مُحَمَّد أذْكرنا مَا لَمْ نَزَلْ نعرفك بِهِ من الْفضل وَالْأَدب وَحسن الْمَذْهَب، مَعَ قرَابَة الرَّحِم وَوُجُوب الْحق، فَلا تَدَعَنَّ حَاجَة فِي خاصِّ أَمرك وَلَا عامّته إِلَّا ذكرتها، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إنَّ أولى الْأُمُور أنَّ تفتتح بهَا حوائج وترجى بهَا الزُّلف مَا كَانَ لله عَزَّ وَجَلَّ رضَا، ولحقّ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَدَاء، وَلَك فِيهِ ولجماعة الْمُسلمين نصيحة، وَإِن عِنْدِي نصيحة لَا أجد بدًّا من ذكرهَا وَلَا يكون البوح بهَا إِلَّا وَأَنا خَال، فأخْلنِي تَردُ عَلَيْكَ نصيحتي، قَالَ: دون أبي مُحَمَّد؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُم يَا حجّاج، فَلَمّا جَاوز السّتْر قَالَ: قل يَا بن طَلْحَة نصيحتك، قَالَ: الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: اللَّه، قَالَ: إِنَّك عَمَدت إِلَى الحَجَّاج مَعَ تغطرسه وتعترسه، وتعجرفه وَبعده عَنِ الْحق وركونه إِلَى الْبَاطِل، فوليته الْحَرَمَيْنِ، وَفِيهِمَا من فيهمَا، وَبِهِمَا من بهما من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، والموالي المنتسبة الأخيار، أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْنَاء الصَّحَابَة، يسومهم الْخَسْف، ويقودهم بالعسف، وَيحكم فيهم بِغَيْر السّنة، ويطؤهم بطغام أَهْلَ الشَّام، ورعاع لَا روية لَهُمْ فِي إِقَامَة حق، وَلَا إزاحة بَاطِل، ثُمَّ ظننتَ أنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنك وَبَين اللَّه يُنجيك، وَفِيمَا بَيْنك وَبَين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخلصك إِذَا جاثاك للخصومة فِي أمته، أما وَالله لَا تنجو إِلَّا بِحجَّة تقيمن لَك النجَاة، فابق عَلَى نَفسك أَوْ دع، فقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلّكُمْ راعٍ وَكُلكم مَسْئولٌ عَنْ رَعيته " فَاسْتَوَى عَبْد الْملك جَالِسا وَكَانَ مُتكئا، فَقَالَ: كذبت - لعَمْرو اللَّه - ومنْتَ وَلُؤُمت فِيمَا جئتَ بِهِ، قَدْ ظنَّ بك الحَجَّاج مَا لَمْ يجد فِيك، وَرُبمَا ظُنَّ الْخَيْر بِغَيْر أَهله، قُم فَأَنت الْكَاذِب المائن الْحَاسِد، قَالَ: فَقُمْت وَالله مَا أبْصر طَرِيقا، فَلَمّا خلّفت السّتْر لَحِقَنِي لاحقٌ من قبله، فَقَالَ للحاجب: احْبِسْ هَذَا، أَدخل أَبَا مُحَمَّد للحجاج، فَلَبثت مَلِيًّا لَا أَشك أَنَّهُمَا فِي أَمْرِي، ثُمَّ خرج الْآذِن فَقَالَ: قُم يَا ابْن طَلْحَة فَادْخُلْ، فَلَمّا كُشِفَ لِيَ السِّتر لَقِيَنِي الحَجَّاج وَأَنا دَاخل وَهُوَ خَارج فاعتنقني وَقبل مَا بَيْنَ عَيْني، ثُمَّ قَالَ: إِذَا جزى