أَمرهم بَينهم زمراً كُلُّ حِزْبٍ، بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " فِي كثير ممّا يضاهي هَذَا الْمَعْنى، والسبيل الطَّرِيق. وَقَول النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَر حِين خطّ الْخط " هَذَا سَبِيل اللَّه " يحْتَمل أَن يكون إِشَارَة إِلَى الْخط فَذَكَرَ، إِذْ الخطُّ مُذَكّر، وَجَائِز أَن تكون الإِشارة فِيهِ إِلَى السَّبِيل فَذكره إِذْ الْعَرَب تذكِّر السَّبِيل وتؤنثه، وَقد جَاءَ التَّنْزِيل باللغتين، على أَن مِنْهُ من يذكر الطَّرِيق وَمِنْهُم من يؤنثه وَكَذَلِكَ الصِّرَاط، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّذْكِير: " وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يتخذوه سَبِيلا " وَذكر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيِّ بْن كَعْب لَا يتخذها ويتخذها بالتأنيث وَقَالَ فِي التَّأْنِيث: " وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ "، وَقَالَ: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة " والتذكير والتأنيث كثيرٌ مَوْجُود فِي الْكتاب وَالسّنة كَقَوْل النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْلَا أَنَّهُ سَبيلٌ آتٍ وَحَتْمٌ مَقْضِيّ " وَفِي أشعار الْعَرَب وَسَائِر كَلَامهَا، والتأنيث أَكثر، وَأنْشد أَبُو عُبَيْدة:
فَلا تَجْزَعْ فكلُّ فَتَى أناسٍ ... سَيُصْبِحُ سَالِكًا تِلْكَ السّبِيلا
وأمّا قَول الله " ولتستبين سَبِيل الْمُجْرمين " فقد أَتَت القراءةُ فِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا، أَعنِي التَّذْكِير والتأنيث، فَكَانَ من قَرَأَ بالتأنيث الحسنُ وَمُجاهد وَعبد اللَّه بْن كثير وَعبد اللَّه بْن عَامر وَأَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء وَأَبُو الْمُنْذر سَلام بْن الْمُنْذر، وَيَعْقُوب الحَضْرمي وَقَرَأَ ذَلِكَ بالتذكير الأَعْمَشُ وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ، وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن هُرْمز الْأَعْرَج وَشَيْبَة وَنَافِع " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرمين " أَي لتتبينها يَا أَيهَا النَّبِي وتستوضحها، وَالتَّاء فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة للمخاطبة وَلَا دلَالَة فِيهَا عَلَى تذكير وَلَا تَأْنِيث، والسبيل مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ، وَقد اخْتلفت الْقِرَاءَة أَيْضا فِي كسر " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا " وَفتحهَا وتخفيفها وتشديدها وَفتح الْيَاء من صِرَاطِي وإسكانها، فَقَرَأَ بِكُل وَجه من هَذِهِ الْوُجُوه أئمةٌ من قراء الْأَئِمَّة، فَمن قَرَأَ وَأَن هَذَا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد فِي أنَّ وصراطي بِإِسْكَان الْيَاء أَبُو جَعْفَر وَابْن هُرْمُز الْأَعْرَج وَشَيْبَة وَنَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو، وَمِمَّنْ قَرَأَ بِكَسْر إِن وتشديدها وتسكين يَاء صِرَاطِي عَبْد اللَّه الأَعْمَشُ، وَطَلْحَة بْن مصرف وَالْكسَائِيّ عَلَى الِابْتِدَاء، وَمِمَّنْ قَرَأَ بِفَتْح الْهمزَة وتخفيفها وَفتح يَاء صِرَاطِي عَبْد اللَّه بْن أبي إِسْحَاق الحضرميّ وَعبد اللَّه بْن عَامر وَقَرَأَ أَبُو الْمُنْذر سَلام: وأنّ بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد وصراطيَ بِفَتْح الْيَاء، وَقَرَأَ وَأَن بِالْفَتْح والإسكان لياء الصراطي يَعْقُوب الحضْرميّ. قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج وبهذه الْقِرَاءَة أَقرَأ، وهين وَسَائِر مَا قدمنَا ذكره من الْقرَاءَات فِي هَذِهِ الْآيَة صَوَاب عندنَا صَحِيح مَعْنَاهُ لدينا، وَقد تقْرَأ بِهِ وتراه مُسْتَقِيمًا حَسَنًا فِي مَعْنَاهُ وَلَفظه، وَترى مختاري الْقِرَاءَة بِهِ مصيبين، ولسبيل الْحق متبعين، وَبِاللَّهِ ذِي الطول وَالْقُوَّة والحول نستعين.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي الْأَزْهَر، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: وحَدثني مُحَمَّد بْن يحيى،