أما الدليل من معنى الآية على أن الوقف الصحيح على قوله: " إلا الله " فمن وجوه:
الوجه الأول: أن لفظة " أما " تأتي في اللغة لتفصيل الجمل، فلا بد أن يكون في سياقها قسمان، وهكذا ورد في الآية السابقة، حيث قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)، فهذا القسم الأول، وهناك قسم آخر يخالف هذا القسم، تقديره، وأما غيرهم فيؤمنون بالمتشابه، ويفوضون معناه إلى الله تعالى، فيكون عندنا قسمان:
- قسم ذمَّهم الله، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب.
- وقسم مدحهم الله، وهم الذين آمنوا بالمتشابه، وفوضوا معرفته إلى الله تعالى، وهذا كله يدل على أن الوقف على قوله: " إلا الله ".
الوجه الثاني: أن الله تعالى ذكر أن الراسخين في العلم يقولون: " آمنا به "، ولم يقولوا: " علمنا به "، والإيمان غير العلم؛ حيث إن معنى الإيمان، التصديق، فهذا يدل على أنهم فوَّضوا علم المتشابه إلى الله تعالى، وبينوا أن ذلك من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، فهذا يدل على أن الراسخين في العلم لم يدركوا معنى المتشابه.
الوجه الثالث: أن الله تعالى وصف الذين يبتغون تأويل المتشابه بأنهم أهل زيغ، وهذا ذم لهم، ولو كان تأويل المتشابه معلوماً للراسخين في العلم - لكان مبتغي تأويله ممدوحاً غير مذموم، فلما ذم الله تعالى مبتغي التأويل عرفنا أن سبب هذا الذم هو: أنه يزاحم الله فيما استأثر بعلمه، فينتج من ذلك: أن الله هو المتفرد بعلم المتشابه لا يشاركه فيه أحد، فيكون الوقف الصحيح