الدارقطني، فلما بلغ إِلى ذلك الجمع العظيم أقبل علينا وقال: سمعتُ أَبا سهل بن زياد القطان يقول: سمعتُ عبد الله بن أَحمد بن حنبل يقول: سمعت أَبي يقول: قولوا لأهل البِدَع بيننا وبينكم الجنائز. قال: ولا شكّ أَنَّ جنازة أَحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة، بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك، وتعظيمهم له، وان الدولة كانت تحبه، والشيخ تقي الدين رحمه الله توفي ببلده دمشق، وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة، ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعًا لو جمعهم سلطان قاهر، وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة الَّتي اجتمعوها في جنازته، وانتهوا إليها. هذا مع أَنَّ الرَّجل مات بالقلعة محبوسًا من جهة السلطان، وكثير من الفقهاء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة، مما ينفر منها طباع أهل الأديان، فضلاً عن أهل الإِسلام، وهذه كانت جنازته.

قال: وقد اتفق موتُه في سحر ليلة الاثنين المذكور، فذكر ذلك مؤذنُ القلعة على المنارة بها، وتكلّم به الحراسُ على الأبرجة، فما أصبح الناس إلاّ وقد تسامعوا بهذا الخَطْب العظيم والأمر الجسيم، فبادر الناسُ على الفور إِلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيءُ منه، حتَّى من الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهل الأسواق شيئًا، ولا فتحوا كثيرًا من الدكاكين الَّتي من شأنها أَنْ تفتح أوائل النهار على العادة، وكان نائب السلطنة سيف الدين تنكز قد ذهب يتصيّد في بعض الأمكنة، فحارت الدولة ماذا يصنعون، وجاء الصاحب شمس الدين غبريال نائب القلعة فعزاه فيه، وجلس عنده، وفُتح باب القلعة وباب القاعة لمن يدخل من الخواص والأصحاب والأحباب، فاجتمع عند الشَّيخ في قاعته خلق من أخصّاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية، فجلسوا حوله يبكون ويثنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015