الدين محمَّد ابن قيّم الجوزية فإنه حُبس بالقلعة. وسكنت القضية.
وفي يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة درّس بالحنبلية برهان الدين إبراهيم أَحمد بن هلال الزرعي الحنبلي، بدلاً عن شيخ الإِسلام ابن تَيْمِيَّة، وحضر عنده القاي الشَّافعيّ وجماعة من الفقهاء وشق ذلك على كثير من أصحاب الشَّيخ تقي الدين، وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشَّيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به وسأله عن أشياء بأمر نائب السلطنة. ثمَّ يوم الخميس دخل إليه القاضي جمال الدين بن جُمْلة وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فَكَتَب ذلك في دَرَجٍ وكتب تحته قاضي الشافعيه بدمشق: قابلتُ الجوابَ عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تَيْمِيَّة فصح. . . إِلى أَنْ قال: وإنما المَحَزُّ جعله زيارة قبر النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعًا.
فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإِسلام، فإِنَّ جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولَين في شدّ الرحال والسفر إِلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شدِّ رحلٍ إِليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألةٌ أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شدِّ رحلٍ، بل يستحبُّها ويندب إِليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إِلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا، ولا قال: إِنَّها معصية، ولا حكى الإِجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا تخفى عليه خافية، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}.