وكتب الشَّيخ كتابًا إِلى الشَّام يتضمن ما وقع له من الأمور.

قال البرزالي: وفي شوال منها شكا الصوفيةُ بالقاهرة على الشَّيخ تقي الدين وكلامه في ابن عربي وغيره إِلى الدولة، فردوا الأمر في ذلك إِلى القاضي الشَّافعيّ، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء لم يثبت عليه منها شيء، لكنه قال: لا يستغاث إِلاَّ الله، ولا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم استغاثة بمعنى العبادة، ولكن يتوسّل به ويُتَشفع به إِلى الله. فبعض الحاضرين قال: ليس عليه في هذا شيء، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أَنَّ هذا فيه قلة أدب، فحضرت رسالة إِلى القاضي أَنْ يعمل معه ما تقتضيه الشريعة، فقال القاضي: قد قلت له ما يقال لمثله.

ثمَّ إِنَّ الدولة خيروه بين أشياء؛ إِمَّا أَنْ يسير إِلى دمشق أَو الإِسكندرية بشروط أَو الحبس، فاختار الحبس، فدخل عليه جماعة في السفر إِلى دمشق ملتزمًا ماشُرط، فأجاب أصحابه إِلى ما اختاروا جبرًا لخواطرهم، فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال، ثمَّ أرسلوا خلفه من الغد بريدًا آخر، فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء، فقال له بعضهم: إِنَّ الدولة ما ترضى إِلاَّ بالحبس، فقال القاضي: وفيه مصلحة له. واستناب شمس الدين التونسي المالكي وأذن له أَنْ يحكم عليه بالحبس فامتنع وقال: ما ثبت عليه شيء، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحيَّر، فلما رأى الشَّيخُ توقفَهم في حبسه قال أَنا أمضي إِلى الحبس وأَتّبِع ما تقتضيه المصلحة. فقال نور الدين الزواوي: يكون في موضع يصلح لمثله. فقيل له: الدولة ما ترضى إِلاَّ بمسمى الحبس، فأُرسل إِلى حبس القضاة، وأُجْلِس في المكان الَّذي أُجْلس فيه تقي الدين ابن بنت الأعزّ حين سُجن، وأذن له أَنْ يكون عنده من يخدمه، وكان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015