للشيخ تقي الدين ابن تَيْمِيَّة في أيام جاغان، والقاضي إِمام الدين القزويني، وأن يحمل هو والقاضي ابن صصري إِلى مصر. فتوجها على البريد نحو الديار المصرية، وخرج مع الشَّيخ خلق من أصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائب السلطنة الأفرم بترك الذهاب إِلى مصر، وقال له: أَنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا. فامتنع الشَّيخ من ذلك وذكر له أَنَّ في توجهه لمصر مصلحة كبيرة، ومصالح كثيرة. فلما توجّه لمصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته، حتَّى انتشروا من باب داره إِلى قرب الجسورة، فيما بين دمشق والكسوة، وهم ما بين باكٍ وحزين ومتفرّج ومتنزّه ومُزاحم مُغتالٍ فيه.
فلما كَانَ يوم السبت دخل الشَّيخ تقي الدين غزة، فعمل بجامعها مجلسًا عظيمًا، ثمَّ رحلا معًا إلى القاهرة والقلوبُ معه وبه متعلّقة. فدخلا مصر يوم الاثنين الثَّاني والعشرين من رمضان، وقيل إنّهما دخلاها يوم الخميس.
فلما كَانَ يوم الجمعة بعد الصلاة عُقد للشيخ تقي الدين مجلس بالقلعة اجتمع فيه القُضاة وأكابر الدولة. وأراد أَن يتكلّم على عادته، فلم يُمكّن من البحث والكلام. وانتُدب له الشمس ابن عدلان خصمًا احتسابًا، وادّعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أَنَّه يقول: إنّ الله فوق العرش حقيقةً، وأنّ الله يتكلم بحرف وصوت. فسأله القاضي جوابه. فأخذ الشَّيخ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له: أجبْ، ما جئنا بك لتخطب. فقال: ومَنْ الحاكم فيَّ؟ فقيل له: القاضي المالكي. فقال: له الشَّيخ كيف تحكم فيَّ وأنت خصمي؟ فغضب غضبًا شديدًا، وانزعج، وأقيم مرسَّمًا عليه، وحُبس في بُرْج أيامًا، ثمَّ نُقل منه ليلة العيد إِلى الحبس المعروف بالجب، هو وأخواه شرف الدين عبد الله،