فهو مدرك غايته، أَو ذاكر بالحديث فهو صاحب عِلْمِه وذو روايته، أَو حاضر بالنِّحَل والملل لم يُر أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مِثْلَ نفسه، كَانَ يتكلَّم في التفسير] فيحضر مجلِسَه الجمُّ الغفير، ويردون من بحر عِلْمه العَذْب النَّمير، ويرتعون من ربيع فَضْله في روْضة وغدير.

إلى أَنْ دبَّ إِليه مِنْ أهل بلاده داء الحسد، وأكبَّ أهلُ النَّظر منهم على ما يُنْقد عليه من أمور المعتقد، فحفِظُوا عنه في ذلك كلامًا، أوسعوه بسببه ملامًا، وفوَّقُوا لتبديعه سِهامًا، وزعموا أَنَّه خالف طريقهم، وفرَّق فريقَهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضَهم وقاطعوه، ثمَّ نازع طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إِلى طريقة، ويزعمون أنهم على أدقِّ باطن منها وأجلى حقيقة، فكشف تلك الطرائق، وذكر لها - على ما زعم - بوائق، فآضَتْ إِلى الطَّائفة الأولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضِّغْن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أمرَه، وأعمل [كلٌّ] منهم في كُفْره فِكْرَه، فرتَّبوا محاضر، وألَّبوا الرُّوَيْبِضَة للسَّعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إِلى حَضْرة المملكة بالدِّيار المِصْرية، فَنُقِلَ وأُودع السِّجْن ساعةَ حُضُوره واعْتُقل، وعقدوا لإِراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قَوْمًا من عُمَّار الزَّوايا وسكان المدارس، من مُجَامل في المُنَازعة مخاتِلٍ في المخادعَة، ومن مُجاهر بالتَّكْفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه رَيْبَ المضنُون {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص/ 69].

وليس المجاهر بكفره بأسوأ حالاً من المخاتل، وقد دبَّتْ إِليه عقارب مكره، فَرَدَّ الله كيد كلٍّ في نحره، ونجاه على يد من اصْطَفَاه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015