والله غالب على أمره، ثمَّ لم يَخْلُ بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طوال عمره من محنة إِلاَّ إِلى محنة، إِلى أَنْ فُوِّض أمره لبعض القُضَاة فتقلَّد ما تقلد من اعتقاله، ولم يزلْ بمحبسه ذلك إِلى حين ذهابه إِلى رحمة الله تعالى وانتقاله، وإلى الله ترجع الأمور، وهو المطَّلع على خائنة الأعين وما تخفي الصُّدور، وكان يومه مشهودًا، ضاقت بجنازته الطريق، وانتابها المسلمون من كلٍّ فَجٍّ عميق، يتبركون بمشهده يوم يقوم الأشهاد، ويتمسكون بشَرْجَعِهِ (?) حتَّى كسروا تلك الأعواد!!

ثمَّ ذكر يوم وفاته ومَوْلده، ثمَّ قال: وقرأتُ على الشَّيخ الإِمام حامل راية العلوم، ومُدْرك غاية الفهوم، تقي الدين أَبي العَبَّاس أَحمد بن عبد الحليم بن عبد السَّلام بن تيميَّة - رحمه الله - بالقاهرة - قدم علينا - ثمَّ ذكر حديثًا من جُزْء ابنِ عَرَفة.

قلتُ: أملى شيخنا المسألة المعروفة بالحَمَوية سنةَ ثمانٍ وتسعين في قعدَةٍ بين الظُّهر والعَصْر، وهي جواب سؤال ورد من حماة في الصِّفات، وجرى له بسبب ذلك محنة، ونصره الله وأذلَّ أعداءه، وما حصل له بعد ذلك إِلى حين وفاته من الأمور والمِحَن والتنقلات تحتاج إِلى عِدَّة مجلَّدات، وذلك كقيامه في نوبة غازان سنة تسع، والتقائه أعباء الأمر بنفسه، واجتماعه بالملك وبنائه خطلوشاه وببُولايَ، وإقدامِه وجُرْأته على المغول، وعظيمِ جهاده، وفَعْلِهِ الخيرَ، من إنفاق الأموال، وإطعام الطَّعام، ودفن المَوْتى، ثمَّ توجهه بعد ذلك بعام إِلى الدِّيار المِصْرية، وسوقه على البريد إِليها في جُمُعةٍ لما قَدِمَ التَّتار إِلى أطراف البلاد، واشتدَّ الأمر بالبلاد الشَّامية، واجتماعه بأركان الدَّوْلة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015