الذي أنزله الله على محمد عبده ورسوله كلام الله وأنه منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه قرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلى المطهرون، وأنه قرآن مجيد في لوح محفوظ، وأنه في أم الكتاب لدى الله تعالى حفيظ، وأنه في الصدور كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استذكروا القرآن فهو أشد تفلُّتًا من صدور الرجال من النعم من عُقلها»، وقال: «الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب»، [و] أن مابين لوحي المصحف الذي كتبه الصحابة كلام الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مَخافةَ أن تناله أيديهم».

فهذه الجملة تكفي المسلم في هذا الباب، وأَمَّا تفصيل ماوقع في ذلك من النزاع فكثير، منه [ما] يكون كِلا الإِطلاقَين خطأ، ويكون الحق في التفصيل، ومنه مايكون مع كل من المتنازعين نوع من الحق ويكون كل منهما ينكر حقَّ صاحبه، وهذا من التفرُّق والاختلاف الذي ذمه الله ونهى عنه؛ فقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)} [البقرة/ 176] وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران/ 105] وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران/ 103] وقال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة/ 213] فالواجب على المسلم أن يلم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وما تنازعت فيه الأمة وتفرَّقت فيه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، فإن مواقع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى، وقد بسطت القول من جنس هذه المسائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015