يذكر في قوله: {صلوا عليه وسلموا تسليمًا} مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدًا، ثم أنكر وبالغ في الإنكار أن يكون الصحابة قد سألوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك السؤال؛ لأن الصلاة معروفة المعنى عندهم وهو الدعاء، فكيف يسألونه؟! وهذه مغالطة مكشوفة؛ لأن سؤالهم لم يكن على معنى الصلاة عليه حتى يرد ما ذكره، وإنما كان عن كيفية الصلاة عليه؛ كما جاء في جميع الروايات على ما سبقت الإشارة إليه، وحينئذ فلا غرابة؛ لأنهم سألوه عن كيفية شرعية لا يمكنهم معرفتها إلا من طريق الشارع الحكيم العليم، وهذا كما لو سألوه عن كيفية الصلاة المفروضة بمثل قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة}، فإن معرفتهم لأصل معنى الصلاة في اللغة لا يغنيهم عن السؤال عن كيفيتها الشرعية وهذا بين لا يخفى.
وأما حجته المشار إليها فلا شيء؛ ذلك لأنه من المعلوم عند المسلمين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المبين لكلام رب العالمين؛ كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل:44] فقد بين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيفية الصلاة عليه وفيها ذكر الآل، فوجب قبول ذلك منه لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7]، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح المشهور: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) وهو مخرج في (تخريج المشكاة) (163 و4247).
وليت شعري ماذا يقول النشاشيبي -ومن قد يغتر ببهرج كلامه- فيمن عسى أن ينكر التشهد في الصلاة، أو أنكر على الحائض ترك الصلاة والصوم في حيضها؟! أبدعوى أن الله لم يذكر التشهد في القرآن، وإنما ذكر القيام والركوع والسجود فقط وأنه تعالى لم يسقط في القرآن الصلاة والصوم عن الحائض، فالواجب عليها القيام بذلك فهل يوافقون هذا المنكر في إنكاره؛ أم ينكرون عليه ذلك؟ فإن كان الأول -وذلك مما لا نرجوه- فقد ضلوا ضلالًا بعيدًا، وخرجوا عن جماعة المسلمين، وإن كان الآخر فقد وفقوا وأصابوا، فما ردوا به على المنكر؛ فهو ردنا على النشاشيبي، وقد بينا لك وجه ذلك.
فحذار أيها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلًا عن السنة، فإنك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك، وهاك المثال أمامك؛ فإن النشاشيبي هذا كان من كبار علماء اللغة في القرن الحاضر، فأنت تراه قد ضل حين اغتر بعلمه في اللغة، ولم يستعن على فهم القرآن بالسنة، بل إنه أنكرها كما عرفت، والأمثلة على ما نقول كثيرة جدًا لا يتسع المقام لذكرها، وفيما سبق كفاية. والله الموفق.
الفائدة الثالثة: ويرى القارئ أيضًا أنه ليس في شيء منها لفظ: (السيادة)، ولذلك اختلف المتأخرون في مشروعية زيادتها في الصلوات الإبراهيمية، ولا يتسع المجال الآن لنفصل القول في ذلك، وذكر من ذهب إلى عدم مشروعيتها؛ اتباعًا لتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكامل لأمته حين سئل عن كيفية الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأجاب آمرًا بقوله: (قولوا: اللهم صل على محمد ... ) ولكني أريد أن أنقل إلى القراء الكرام هنا رأي الحافظ ابن حجر العسقلاني في ذلك؛ باعتباره أحد كبار علماء الشافعية الجامعين بين الحديث والفقه، فقد شاع لدى متأخري الشافعية خلاف هذا التعليم النبوي الكريم.
فقال الحافظ محمد بن محمد بن محمد الغرابيلي (790 - 835) وكان ملازمًا لابن حجر - قال رحمه ومن خطه نقلت:
وسئل (أي الحافظ ابن حجر) أمتع الله بحياته عن صفة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة أو خارج الصلاة، سواء قيل بوجوبها أو ندبيتها؛ هل يشترط فيها أن يصفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيادة؛ كأن يقول مثلًا: اللهم