(عن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طلب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولآله مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء، حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء -وفيهم إبراهيم- لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره).
قال ابن القيم:
(وهذا أحسن من كل ما تقدم وأحسن منه أن يقال: محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم؛ كما روى علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} [آل عمران: 33]، قال ابن عباس: (محمد من آل إبراهيم)، وهذا نص، إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في؛ آله فدخول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى، فيكون قولنا: (كما صليت على آل إبراهيم) متناولًا للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه وعلى آله خصوصًا؛ بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عمومًا وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ولا ريب أن الصلاة الخاصة لآل إبراهيم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم أكمل من الصلاة الحاصلة لهم دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعًا، ويظهر حينئذٍ فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه؛ صار له من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم وغيره وإنضاف إلى ذلك مما له من المشبه به من الحصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كل من آله -وفيهم النبيون- ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيًا عن أمته، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد؛ كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
الفائدة الثانية: ويرى القارئ الكريم أن هذه الصيغ على اختلاف أنواعها فيها كلها الصلاة على آل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه وذريته معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلذلك فليس من السنة ولا يكون منفذًا للأمر النبوي من اقتصر على قوله: (اللهم صل على محمد) فحسب؛ بل لا بد من الإتيان بإحدى هذه الصيغ كاملة كما جاءت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا فرق في ذلك بين التشهد الأول والآخر، وهو نص الإمام الشافعي في (الأم) (1/ 102) فقال:
(والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف، ومعنى قولي (التشهد) التشهد والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجزيه أحدهما عن الآخر).
وأما حديث: (كان لا يزيد في الركعتين على التشهد)؛ فهو حديث منكر كما حققته في (الضعيفة) (5186).
وإن من عجائب هذا الزمن، ومن الفوضى العلمية؛ فيه أن يجرؤ بعض الناس -وهو الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي في كتابه: (الإسلام الصحيح) - على إنكار الصلاة على الآل في الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ على الرغم من ورود ذلك في (الصحيحين) وغيرهما عن جمع من الصحابة؛ منهم كعب بن عجرة وأبو حميد الساعدي، وأبو سعيد الخدري وأبو مسعود الأنصاري، وأبو هريرة وطلحة بن عبيد الله، وفي أحاديثهم أنهم سألوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كيف نصلي عليك؟) فعلمهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الصيغ، وحجته في الإنكار أن الله تعالى لم