قال النووي: (هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليدين في الخطبة، وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى. وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض) (?).
وقال الشوكاني: (والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة) (?).
وقال أبو شامة في ذكر بدع الجمعة: (وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة) وتبعه على ذلك السيوطي في كتابه: (الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع) (?).
وجاء في الاختبارات لابن تيمية: (ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، وهو أصح الوجهين لأصحابنا؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما كان يشير بإصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر) (?).
إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين ولا يزيد عليهما؛ ليفرغ لسماع الخطبة.
وذلك لما ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين" وفي رواية: "فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما" (?).
فهذا دليل صريح على أن الداخل والإمام يخطب لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، وهو حجة على من قال بعدم مشروعيتها حال الخطبة، وما أجابوا به عن هذا الحديث وأمثاله فهو غير ناهض، وما أحسن قول الإمام النووي -رحمه الله- عن هذا الحديث.
(وهذا نص صريح لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحًا فيخالفه) (?). كما أن حديث أبي قتادة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" يتناول بعمومه وقت أداء التحية حال الخطبة.
وليست الركعتان سنة قبلية للجمعة، فإنه لا سنة للجمعة قبلها -كما تقدم- بل يصلي الداخل قبل صعود الإمام نفلًا مطلقًا غير مقيد بعدد. وإنما هما تحية المسجد (?). لكن لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن، فهل يصلي التحية حال الأذان؛ ليفرغ لاستماع الخطبة، أو يجيبه ثم يصلي بعد فراغه؟ الظاهر أنه يصلي تحية المسجد ولا يتابع المؤذن في هْذه الحال؛ لأن استماع الخطبة آكد. فإن إجابة المؤذن مستحبة عند الجمهور، كما ذكره الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "فتح الباري" (?).