فقد لغوت" (?).
فإذا كان يفوت على نفسه فضيلة الجمعة بقوله لصاحبه: أنصت. وهو أمر بالمعروف فما دون ذلك من باب أولى (?).
ولهذا فالمختار أن المستمع للخطبة لا يرد السلام، ولا يشمت العاطس؛ لأن الاستماع واجب بسنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال النووي في "شرح المهذب" في ذكر الأوجه عند الشافعية في هذه المسألة: (الصحيح المنصوص عليه تحريم تشميت العاطس كرد السلام). ومثله في "روضة الطالبين" (?). وفي "بدائع الفوائد" لابن القيم: في "مسائل الكوسج لأحمد": قلت: إذا عطس الرجل يوم الجمعة؛ قال: لا تشمته. اهـ (?). وفي مسائل الإمام أحمد لأبي داود: قال: قلت لأحمد: يرد السلام والإمام يخطب؟ قال: إذا كان ليس يسمع الخطبة. يقول الله عز وجل: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فإذا كان يسمع فلا، قيل لأحمد وأنا أسمع: رجل يسمع نغمة الإمام بالخطبة ولا يدري ما يقول يرد السلام؟ قال: لا، إذا سمع شيئًا ... قال أبو داود: سمعت رجلًا قال لأحمد: أرى الرجل يتكلم والإمام يخطب؟ قال: أشر إليه أو أوح إليه (?). وإذا دخل المسجد والإمام يخطب فإنه لا يسلم على الحاضرين؛ لانشغالهم عن الرد عليه باستماع الخطبة (?). ويستثنى من النهي عن الكلام والإمام يخطب ما إذا كلم الإمام لمصلحة تتعلق بالخطبة، أو لحاجة تعني المسلمين، أو كلمه الإمام، كأن ينبّه الخطيب على خطأ في آية، أو يعرض عليه الاستسقاء في الخطبة، ونحو ذلك. ومن الأدلة حديث أنس -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا، فمطرنا، فما كدنا أن نصل على منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة، قال: فقام ذلك الرجل -أو غيره- فقال: يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا .. الحديث (?).
قال في فتح الباري: (فيه جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة) (?)، ومن الأدلة -أيضًا- حديث جابر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: "أصليت يا فلان؟ " قال: لا، قال: "قم فاركع" (?).
اعلم أنه لا يشرع رفع اليدين حال دعاء الإمام في خطبة الجمعة، لا للخطيب ولا للسامعين. وقد ورد عن عمارة بن رؤبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه. فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا. وأشار بإصبعه المسبحة، وفى رواية: يوم جمعة (?).