الجمعة، وبعد دخوله، لعدم المانع من ذلك، وحديث أبي هريرة، وكذلك حديث ابن عمر لا يصلحان للاحتجاج بهما على المنع، لما عرفت من ضعفهما ومعارضة ما هو أنهض منهما، ومخالفتهما لما هو الأصل فلا ينتقل عنه إلا بناقل صحيح، ولم يوجد.

وأما وقت صلاة الجمعة فالظاهر عدم الجواز لمن وجب عليه الحضور، إلا أن يخشى حصول مضرة من تخلفه للجمعة، كالانقطاع عن الرفقة التي لا يتمكن من السفر إلا معهم، وما شابه ذلك من الأعذار، وقد أجاز الشارع التخلف عن الجمعة لعذر المطر، فجوازه لما كان أدخل في المشقة منه أولى) (?).

وعلى ما تقدم فينهى عن السفر وقت صلاة الجمعة، إلا إن خاف فوت رفقته، أو خاف إقلاع الطائرة، ونحو ذلك مما يصلح عذرًا مسقطًا للجمعة، وكذا لو أمكنه أن يصليها في طريقه، كما هو متحقق الآن أكثر من زمن مضى. والله أعلم.

أحكام حضور مسجد الجمعة

الحكم الأول الحذر من تخطي الرقاب وأذية الآخرين:

عند تأمل النصوص الواردة في فضل الجمعة نرى فيها تعليق غفران ما بين الجمعتين من الذنوب على خصال متعددة.

منها: عدم أذية الآخرين. ففي حديث أبي أيوب المتقدم: "ولم يؤذ أحدًا" وفي حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى" (?).

قال الشوكاني: (وظاهر الحديث أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما ذكر في الحديث من الغسل والتنظيف والتطيب أو الدهن وترك التفرقة والتخطي والأذية والتنقل والإنصات، وكذلك لبس أحسن الثياب، كما وقع في بعض الروايات، والمشي بالسكينة كما وقع في أخرى، وترك الكبائر كما في رواية أيضًا) (?). وعليه فيتعين في حق المصلي يوم الجمعة أن يكف أذاه عن الآخرين، والأذية تكون بأمور منها:

(1) التفرقة بين اثنين:

وذلك بالقعود بينهما، أو إخراج أحدهما والقعود في مكانه (?)، بل عليه أن يطلب التوسعة من الحاضرين.

وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم ليخالف إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن -يقول-: افسحوا" (?).

قال النووي: (وهذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره، يوم الجمعة أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015