-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي أيوب المتقدم: "ثم خرج وعليه السكينة".
اعلم أن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة له حالتان:
الأولى: أن يكون قبل الزوال.
الثانية: أن يكون بعد الزوال وقبل الصلاة.
فأما السفر قبل الزوال صباحًا أو ضحى فإنه يجوز -على الصحيح من قولي أهل العلم- وقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أنه أبصر رجلًا عليه هيئة السفر، فسمعه يقول: لولا أن اليوم الجمعة لخرجت، فقال: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر. وفي لفظ: فاخرج ما لم يحن الرواح (?).
وعن صالح بن كيسان قال: إن أبا عبيدة خرج يوم الجمعة في بعض أسفاره ولم ينتظر الجمع (?).
وعن الحسن أنه قال: (لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم يحضر وقت الصلاة) (?).
فهذه الآثار وغيرها تدل بمجموعها على جواز السفر يوم الجمعة ما لم يدخل وقت الصلاة، ولأن الإنسان لم يؤمر بحضور الجمعة قبل النداء فلم يتعلق به طلب.
وقد ورد عن السلف آثار تدل على منع السفر يوم الجمعة بعد الفجر حتى يصلي الجمعة، وبها أخذ جمع من أهل العلم (?).
أما السفر بعد الزوال فيحرم على من تلزمه الجمعة قبل أن يصليها، على قول الجمهور من أهل العلم؛ لأنه بعد الزوال يكون قد دخل الوقت بالاتفاق، والغالب أن الإمام يحضر بعد الزوال، فيكون بسفره قد تعمد ترك الواجب، ويستدل على ذلك -أيضًا- بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالسعي إلى الجمعة وترك البيع؛ لأنه ذريعة على التشاغل عنها وعدم حضورها، فكذلك ينهى عن السفر إذا نودي للصلاة، لأنه مانع من حضورها، وتعليق الحكم بالنداء أولى من تعليقه بالزوال (?).
واعلم أنه لم يثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السفر يوم الجمعة شيء (?)، وما ورد من ذلك فهو ضعيف، فلا يعول عليه، ومن ذلك ما ورد من دعاء الملائكة على من سافر يوم الجمعة بأن لا يصحب في سفره، ولا تقضى له حاجة، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وبمعناه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- (?).
قال الشوكاني، بعد ذكر الأقوال في حكم السفر يوم الجمعة: (والظاهر جواز السفر قبل دخول وقت