إلى باب البريد، فمنهم من يتحدث مع صاحبه، ومنهم من يقرأ، لا يزالون على هذه الحال من ذهاب ورجوع إلى انقضاء صلاة العشاء الآخرة، ثم ينصرفون ولبعضهم بالغداة مثل ذلك، (الشاميون والجامع) وأكثر الاحتفال إنما هو بالعشي، فيخيّل لمبصر ذلك أنها ليلة سبع وعشرين من رمضان المعظم، لما يرى من احتفال الناس واجتماعهم، لا يزالون على ذلك كل يوم، وأهل البطالة من الناس يسمونهم (الحرائين). (المآذن) وللجامع ثلاث صوامع، واحدة من الجانب الشرقي، وهي كالبرج المشيّد تحتوي على مساكن متسعة وزوايا فسيحة راجعة كلها إلى إغلاق، يسكنها أقوام من الغرباء أهل الخير، والبيت الأعلى منها كان معتكف أبي حامد الغزالي رحمه الله، وثانية بالجانب الغربي على هذه الصفة، وثالثة بالجانب الشمالي على الباب المعروف بباب الناطفيين (باب العمارة). (قباب الصحن) وفي الصحن ثلاث قباب، إحداها في الجانب الغربي منه وهي أكبرها، وهي قائمة على ثمانية أعمدة من الرخام، مستطيلة كالبرج، مزخرفة بالفصوص والأصبغة الملونة، يقال إنها كانت مخزناً لمال الجامع، وله مال عظيم من خراجات ومستغلاّت تنيف (على ما ذُكر لنا) على الثمانية آلاف دينار في السنة وهي خمسة عشر ألف درهم.
وقبّة أخرى صغيرة في وسط الصحن مجوّفة مثّمتة من الرخام قد أُلصق أبدع إلصاق، قائمة على أربعة أعمدة صغار من الرخام، وتحتها شباك حديد مستدير وفي وسطه أنبوب من النحاس يمجّ بالماء إلى علو فيرتفع وينثني، كأنه قضيب لُجَين يشره الناس لوضع أفواههم فيه للشرب استظرافاً واستحساناً، ويسمونه قفص الماء، والقبة الثالثة في الجانب الشرقي قائمة على ثمانية أعمدة على هيئة القبة الكبيرة، لكن أصغر منها، وفي الجانب الشمالي من الصحن باب كبير يفضي إلى مسجد كبير، في وسطه صحن قد استدار فيه صهريج من الرخام كبير، (المشاهد) يجري الماء فيه دائماً من صفحة رخام أبيض مثمّنة قد قامت وسط