مرت بالمسجد أحداث جسام، لا أستطيع أن أستقصيها في هذه العجالة، إنما أعرض إليها عرضاً، وموعدنا بتفصيل أمرها كتابي الكبير عن الجامع، إن وفّق الله إليه وأذن بإتمامه.
فمن أكبر الأحداث التي أصابته الحرائق. وكان بقي سليماً، جدرانه كلها وسقوفه مغطاة بفصوص الفسيفساء المذهبة، ونقوشه بادية، وستره مسدلة، إلى سنة 461، حين انقسمت الدولة دولتين، وصارت الخلافة خلافتين، وادعى العبيديون أنهم من نسل فاطمة رضي الله عنها، وأقاموا حكومة باسمها، اتخذت لها غير مذهب جمهور المسلمين مذهباً، وأحدثت منكرات وبدعاً. وكان الخلاف قد استحكم في دمشق بين غلمان العباسيين وغلمان الفاطميين، ووصل إلى سَلّ السيوف وإراقة الدماء، والترامي بالنار، فأصابت النار دار الإمارة وهي الدار الخضراء (التي لم يبق منها الآن إلا مصبغة صغيرة في زقاق ضيّق، اسمها المصبغة الخضراء) فاحترقت الدار وامتد الحريق إلى المسجد، فأكلته النار أكلاً ومحت محاسنه، وأذهبت كل ما كان فيه، فلم يبق منه إلا الجدران الأربعة. وصارت أرضه بعد الفسيفساء التي تأخذ العقول تلالاً من التراب، طيناً في الشتاء، وغباراً في الصيف. وجُمعت فصوص الفسيفساء فأُودعت في المشاهد، إلى أن أخرجها ناظر المسجد القاضي الشهرزوري أيام السلطان نور الدين.