البناء وبذل مجهودي فيه فقد وجدت في تمييز المتعدي منه عن اللازم صعوبة فادحة منتني بالتفكير والسهر والسآمة والضجر وذلك لقصور عبارة أهل اللغة فيه فالتزمت في هذا الدال أن أذكره في الموضعين جبر أن عبارتهم قاصرة حتى أنهم قصروا في تعريف نفس افتعل فإن الفارابي والجوهري والمصنف وصاحب المصباح فسروا باختلاق الكذب وهو أعم كما ستعرفه في محله. فمن أمثلة هذا القصور قول بعضهم أكتاد افتعل من الكيد والإفتأل افعتال من الفأل فالأول يترجح حمله على كاد فيكون متعديا وأما افتأل فلم يذكروا له فعلا ثلاثيا حتى يحمل عليه يقال افتألت كذا أو بكذا. ومن ذلك أنهم يحذفون مفعول افتعل ويجعلونه مفعولا لفعل آخر فيوهمون بذلك أن افتعل لازم وذلك كقول الفارابي صاحب ديوان الأدب اشتالت الناقة رفعت ذنبها وحق التعبير أن يقال اشتالت الناقة ذنبها رفعته كما عبر به صاحب مفاخر المقال وكقوله أيضا اصطلب الرجل إذا جمع العظام وطبخها ليخرج ودكها وعبارة الجوهري والاصطلاب استخراج الودك من العظام ليؤتدم به وهي أصرح وأحسن منها عبارة المصنف حيث قال صلب العظام استخرج ودكها كاصطلبها وكقول ابن سيده استقع الرجل لبس ثيابه وحق التعبير أن يقال استفع الرجل ثيابه لبسها كما عبر به صاحب اللسان في تخصيصه الاستفاع بالمرأة ونص عبارته استفع الرجل لبس ثيابه واستفعت المرأة ثيابها إذا لبستها فقد أحسن في تعديه استفع كل الإحسان ولكن كان ينبغي له أن يقول استفع الرجل ثيابه لبسها وكذلك المرأة أو استفع الرجل والمرأة ثيابهما إذا لبساها وقس عليه كل ما كان مرادف لبس واتخذ فإن أهل اللغة قصروا في تعريفه وعندي أنه متعد ومع ذلك فقد ذكرت كثيرا منه في اللازم مجاراة لهم. ومن قصورهم أيضا أنهم كثيرا ما يفسرون افتعل النتعدي بفعل لازم كقول ابن سيده مثلا اكتسب تصرف واجتهد فقالمتبادر منه أن اكتسب يتعدي بفي مع أنه متعد بنفسه مثل كسب فكأنه حقه أن يقول اكتسب كسب مع تصرف واجتهاد وتمام الغرابة أنه شهد على نفسه وعلى غيره أيضا بقصور التعريف وذلك بقوله في سيف واستاف القوم وتسايفوا تضاربوا بالسيوف وقال ابن جنى استافوا تناولوا السيوف كقولهم امتشنوا سيوفهم وامتخطوها قال فأما تفسير أهل اللغة أن استاف القوم في معنى تستيفوا فتفسيره على المعنى في أمثال ذلك اه فإذا كان أهل اللغة يبهمون التعريف فمن يوضحه وبقى النظر في قول ابن جني تناولوا بدل اخترطوا واستلوا فإن التناول لا يتناول هذا المعنى. وأنكر من ذلك كله تقصيرهم في تعريف الألفاظ القرآنية فإن الفارابي والجوهري وصاحب المصباح ذكروا استبق لازما وهو في التنزيل متعد وذلك في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وخصه المصنف بالصراط وهو تخصيص بلا مخصص وكلهم عدوا اعتدى بعلى وهو في التنزيل متعد بنفسه وذلك في قوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015