من الحاجة الى إحصاء كل ماله وما عليه وتفهم كل دقيقة من لوازمه وضرورياته وتنسيق جميع متطلباته في جدول تراعى فيه الأهمية والاسبقية ثم المباشرة في العمل بما يستحق من العناية والاتقان في صغير الامور وكبيرها.

هذا الكلام قالته الجريدة منذ خمسة أعوام وكأنها تلخص برنامجاً يجب أن تسير عليه الدولة الجديدة إذا أرادت أن تكون دولة. قالت هذا وقلوب الجميع مفعمة بالآمال. والآن أعود لتلاوة ماقلت ونفسي مليئة بالآلام، كيف لا أيها السادة، ونحن بدل أن نكد ونجد تخاذلنا وتكاسلنا، وبدل أن نقتصد ونجتهد أسرفنا وبذرنا وبدل أن نصفي التركة المتروكة لنا جعلنا نحن من أنفسنا تركة في الحاجة الى تصفية.

وبدل أن نحل المشكلة التي تواجهنا زدنا عليها مشاكل لا يمكن حلها وبدل أن ننتج أصبحنا نستجدي الاغاثة ونجلس في طلب الصدقة بدل من أن نحصي ونتفهم ضرورياتنا ولوازمنا صرنا نفرط في الكماليات حتى جعلناها ضرورة لازمة.

والاستقلال معناه أن نعيش في بلادنا ونملك أمر نفوسنا ولا نكن عالة على غيرنا في أي أمر من الأمور .. من أجل هذا الاستقلال بذلنا الأرواح وأهرقنا الدماء وذرفنا الدموع ولكي نحافظ على هذا الاستقلال، بهذا المعنى كان يجب أن نعصر اجسامنا عرقاً نتيجة الكد والجهد حتى نوفر المبالغ التي تسدد عجزنا ولكننا عكسنا الأمر وقلبنا الوضع:- فلابد من التضحية ولابد من نكران الذات وضرب الامثال للأجيال القادمة في الخلاص والتفاني الى أبعد الحدود (?).

لقد كانت مرافعة الاستاذ مصطفى بن عامر في مجلس الامة في سنة 1955م مفخرة تاريخية للاجيال حيث أن من اجدادنا من هو بهذه الشجاعة والاخلاص والحرص على تحرير البلاد من الغاصبين والدعوة الى الأخذ بالاسباب التي تؤدي الى هذا السبيل، وإن شعبنا في هذه الفترة الحرجة من تاريخه الجهادي لهو احوج الى أمثال الاستاذ مصطفى بن عامر لخوض معارك التحرير الفعلية في كافة مجالاتها التشريعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية .... الخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015