وكان كل من يحاول من الزعماء أن يتطلع إلى الانفراد بالحكم في تلك الفترة المظلمة، انما يحاول المستحيل، فكان من اللازم التضحية بنصيب من الانانية، والنعرة القبلية، ومحاربة الأهواء، ونبذ التعصب لتوحيد الشعب نحو مقصد الجهاد ضد المحتل الحاقد، ويختاروا زعيماً من بينهم ويقف الجميع لدعمه، ويقفلوا الأبواب على كل مخططات الأعداء التي تريد تمزيق الصف، وتعميق الخلاف، وضرب الزعماء ببعضهم، كما أن ماوصل إليه الطرابلسيون من وجوب توحيد جهودهم مع البرقاويين جاء متأخراً، وبعد فوات الأوان، ولو كان قبل ذلك بسنين أو في زمن قيادة أحمد الشريف لكان ذلك الاتحاد من عوامل النهوض، وأسباب النصر، ولقامت إمارة قوية تستطيع أن تتغلب على العدو المحتل، وتبني دولة عصرية قوية ولوجدت فيها الأجيال امتداداً حضارياً، وبعداً سياسياً، وانتماءً حقيقياً لمفهوم العقيدة والدين والأمة والشعب والوطن، لقد شبه أحد المؤرخين تلك المرحلة بفترة ملوك الطوائف في الأندلس، فالنزعة القبلية لاتزل في عنفوانها، ودكتاتورية زعيم القبيلة لايمكن محوها والتغلب عليها وإن كانت المنطقة الشرقية تغلبت عليها بالدعوة الشاملة، والتربية العميقة وبتوفيق الله تعالى ثم بسبب جهود الحركة السنوسية في قبائل برقة.
إن الدرس المهم هو أن يتغلب الزعماء على أهوائهم من أجل المصالح العليا للبلاد والعباد وإلا أصبحت بلادنا فوضى يسهل عندئذ لأعدائنا اختراقها، ومصّ خيراتها، وتشتيت رجالها، إن الخطاب لوحدة الصف، وتوحيد الجهود، نقصد به كل مسلم من أبناء ليبيا حريصاً على بلده وشعبه وأمته.
إن الابتعاد عن الهوى ومحاربته في النفوس من أسباب النهوض ومن الأمور التي أرشد الله تعالى لها زعماء الأمة وقادتها قال تعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيُضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} (سورة ص، الآية: 26). إن اتباع الهوى من أسباب الفرقة، والفرقة من أسباب تأخر النهوض، فإذن على