ذلك السفر بسبب مرض ألمّ به ونصحه الأطباء بالذهاب إلى مصر للعلاج، وكان قبل سفره قد تعكرت وتغيرت العلاقات السنوسية مع ايطاليا، وحدثت بعض الاشتباكات بين الطليان والعربان بسبب حرص الطليان على نزع السلاح منهم، وتمّ اعتقال الشيخ صالح العوامي ظلماً وزوراً، وكانت هناك محاولة أخرى للقبض على صفي الدين ولكنها باءت بالفشل، بسبب الخبر الثمين الذي سربه عثمان العنيزي إلى صفي الدين محذراً إياه من غدر الطليان به.
إن الأمير محمد ادريس اتخذ قرار الهجرة إلى مصر بعد دراية وافية للمرحلة التي مرت بها البلاد، وللتطورات السياسية والعسكرية التي حدثت على الساحة، فالحل العسكري كان يعرف باستحالته منذ البداية وكان يعمل مافي وسعه لإقناع الآخرين بذلك للمحافظة على دماء المواطنين التي كانت تهدر بدون نتيجة مما كان سيسبب في إحباط الروح المعنوية وتمكين العدو، فقد كان يرأى أن المقاومة الليبية المسلحة لن يمكنها بأي حال من الأحوال دحر القوات الإيطالية.
ثم إن المجهودات الدبلوماسية التي كان يقوم بها قد أعطت كل مايمكنها أعطائه في تلك المرحلة، فرحل عن البلاد ليحتفظ بحريته ويراقب الوضع الدولي ويتحين الفرص (?).
لقد تعرض الأمير ادريس للانتقاد بدعوى أنه ترك شعبه أثناء منعطف تاريخي هام في عام 1922م، لقد حاول الإيطاليون قتله بالسم (?)، وتنامت الخلافات والمشاكل بينه وبين الحكومة الإيطالية حتى لم يجد في مقدوره التغلب عليها، فمعاهدة الرجمة لاتعدو كونها محاولة عقيمة لإقامة نوع من الحكم الثنائي يشارك فيه الإيطاليون والسنوسيون معاً، ولم يقدر لها النجاح أبداً من الناحية العملية، ثم انقطع الرجاء في استمرارها نهائياً عقب استيلاء الفاشست على مقاليد السلطة في إيطاليا، ولم يعد من المصلحة البقاء في وجود نظام فاشي، فلو أن الأمير محمد ادريس أصر على البقاء