ويلخص عبد الرحمن عزام حالة الانتظار تلك في قوله: ( ... كنا نترقب السواحل باستمرار مؤملين أن ترى الغواصات الألمانية اشاراتنا بالرايات في النهار او نيراننا التي كنا نشعلها في الليل، وتركزت آمالنا في أن تمدنا الغواصات بشيء من السلاح والمال والمؤونة، وقد بقينا نحو أربعة شهور وصلنا فيها الى حالة مروعة من الفقر ..... ) (?).
كان السيد محمد ادريس متأدباً مع ابن عمه احمد الشريف غاية التأدب ولذلك لم يتخذ أي قرار لمعالجة الموقف الحرج الذي تمر به البلاد إلا بعد ما كتب الى أحمد الشريف وشرح له ماكان يجري في برقة، فرّد عليه الأخير برسالة في أواخر عام 1916م جاء فيها: ( .... أعمل ماتراه مناسباً، والحاضر يرى مالايراه الغائب، وأنا موافق على مطالب أهل الوطن حيث أن لهم حقاً في ذلك ... ) (?).
كان ظهور محمد ادريس على مسرح العمل السياسي الليبي في تلك الفترة الحرجة مهماً للغاية لما تمتع به من صفات أهلته لزعامة البلاد، وآلت الأمور الى أن بايعه أهل برقة بالإمارة ثم أهل طرابلس بعد فشل الجمهورية الطرابلسية وهذا ماسوف نراه بإذن الله تعالى في هذا الكتاب.
كان من رأي ادريس أن يدخل في مفاوضات مع الانجليز، والوصول على الاقل الى اتفاق مؤقت من أجل فتح الطرق مع مصر، حتى يتمكن من القضاء على خطر المجاعة ولم يكن زعماء برقة يمانعون من دخول محمد ادريس في التفاوض مع ايطاليا او انجلترا مادام تلك المفاوضات تساعدهم في القضاء على شبح المجاعة الذي هدد البلاد، ولم تكن هناك عوائق أمام تحقيق ذلك المطالب وخصوصاً ان محمد ادريس تعرّف أثناء زيارته للحج على الكثير من رجالات العرب، مثل شريف مكة حسين ودرس معه القضية العربية التي كانت آنذاك في دور اليقظة (?) كما أنه