الذين أخذوا يسعون الى التفاهم مع السيد احمد الشريف، فاتفقنا على دفع عربون لقبطان الباخرة بحيث يحملنا الى نابولي في حالة ما إذا رفض البريطانيون ان يسمحوا لنا بالنزول في بورسعيد، ومن نابولي يدبر الايطاليون أمر ترحيلنا الى برقة متى حانت الفرصة.
وهكذا غادرنا حيفا في فبراير 1915م وقد اضطررت للأسف الى ترك فرسي هناك لأن القبطان لم يجد لها مكاناً على الباخرة. وهي كانت من سلالة برقاوية تربت في أرياف الجبل الاخضر، وكان اهداها إليّ خليل البناني، وقد حملتني طول الطريق من الكفرة الى مكة، ثم في طريق العودة كذلك، فتأسفت كثيراً لتركها في حيفا حيث ماتت بعدها بمدة قصيرة.
ولدى وصولنا الى بور سعيد طلبنا من رفيقنا علي العبيدي أن يسبقنا في النزول الى البر حتى رأيناه مر بسلام فتبعناه كلنا في زحمة الحجاج متظاهرين بأننا مصريون، وفور وصولنا الى الشاطئ بعثنا برقيات الى كل من السلطان حسين والجنرال ماكماهون الذي خلف اللور كتشنر في منصب المندوب السامي البريطاني بمصر، وتلقينا منهما استجابة ودية، فتوجهنا الى القاهرة في ضيافة السلطان حسين، وفي أثناء ذلك قمنا بزيارة لكل من الجنرال ماكسويل، قائد القوات البريطانية في مصر، والكولونيل كلينتون، مندوب حكومة السودان المقيم بالقاهرة، وأعرب الاثنان عن رغبتهما الاكيدة في أن نقطع علاقتنا مع الاتراك ونؤيد البريطانيين في الحرب او نبقى محايدين على الاقل. وكان ذلك أول لقاء بيني وبين البريطانيين وخرجت منه بانطباع جيد عن سلوكهم الودي وقوتهم العسكرية، ولم يكن بوسعي أن ألتزم بأي تعهد نيابة عن السنوسيين قبل استشارة السيد أحمد الشريف أولاً. ولكنني وافقت على متابعة الاتصال من خلال علاقتنا بعائلة الادريسي في مصر، ووافقوا من جانبهم على تسهيل عودتي الى برقة.
وبعد فترة اقامة قصيرة في القاهرة، ركبنا قطار الصباح الى الاسكندرية، وفي نفس اليوم استقلنا باخرة لخفر السواحل وضعها البريطانيون تحت تصرفنا حتى أنزلتنا