أتذكر أنه مدة الشهر من أوله الى آخره وفي الختمات الست التي ختمها لكتاب الله توقف في القراءة أكثر من ثلاث أو أربع مرات كان يقف قليلاً ليتذكر الآية، وكان وراءه شاب تونسي حافظ، فيسرع بالقائه إياها له؛ فيمضي في القراءة مضاء السهم، وهذا غريب؛ فيمن بلغ تلك السن، وانطوى على ذلك الهم العظيم؛ من فراق الأوطان، وتنوع الأشجان، وجور الحدثان.
ولم يكن للسيد غرام في الدنيا إلا بأمر هذه الأمة ولما سألته عند اجتماعنا في مكة عن أولاده الذين تركهم أطفالاً أجابني: قد صاروا الآن رجالاً، وما أنا بمفكر في أمرهم، وإنما يهمني أمر هذه الأمة المعذبة في طرابلس، وكان في قلبه من أمر طرابلس مالا يعلمه إلا الله، ولكنه كان في إيمانه في ثبات الجبال، وكان يرى في هذه المصائب مقدمات يقظة الاسلام .... اللهم انه كان من اجل العارفين بك وأبر القائمين بأوامرك ونواهيك وأشد المحبين لعيالك الخلق، وأصلب المتمسكين بكلمتك الحق، وانه كان القدوة المثلى بين خلائقك، والحجة الوثقى بحقائك والرجل الذي أدى الى آخر نفس من أنفاسه جميع الواجب الذي عليه لدينه ولقومه، ولناسه، وللانسانية التي كان لها مثالاُ، فأعلي درجته يارب في جوار قدسك ونوّر وحشتة قبره بأنسك وبوئه في عقباه المقام الكريم الذي يليق بكرمك العميم، وبثوابك لمن سلكوا الصراط المستقيم واستحقوا النعيم المقيم إنك أنت الرحمن الرحيم) (?).
لقد نعت احمد الشريف رحمه الله أغلب الصحف في المشرق الاسلامي، بأقلام أكابر الشعراء والكتّاب، وقد كتب السيد عبد الرحمن عزام فصلاً عن حياة السيد احمد الشريف نشرته جريد البلاغ الغراء الصادرة بمصر (?)، وقد صلى عليه المسلمون صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة الاولى من شهر محرم فاتحة سنة 1352هـ وقالت مجلة المنار: تقام صلاة الغائب على الزعيم الاسلامي المجاهد العظيم، والمرشد الشهير، السيد أحمد الشريف السنوسي في جميع المساجد الجامعة في القطر المصري، وسائر الاقطار التي بلغتها الدعوة الى هذه الصلاة من مكتب المؤتمر