في قليل ولا كثير؛ ففضله إذن إعظم جداً من فضل الدولة العثمانية في جهادها وان كان فضلها عظيم، وهو وحده كان مصدر هذه الارادة التي أنشأت بإذن الله هذا الجهاد الطويل العريض، وحفظت شرف الاسلام المعتدى عليه في طرابلس، وغير طرابلس لانه مما يجب أن لانتمارى فيه ان أوروبا لاتعرف في ذات نفسها إلا إسلاماً واحداً، أن السيد أحمد الشريف هو بنفسه أمة، وأن سيرة السيد أحمد الشريف هي بذاتها تاريخ، وإن كل من عرف عن كثب ذلك السيد الغطريف علم من أخلاقه وورعه وحلمه وعلمه، وزهده في الدنيا، وحبه لمعالي الأمور وعزوفه عن سفاسفها، ومؤاساته للفقراء، وحنانه على الضعفاء، وشدته مع ذلك في الدين، وانحصار كل همومه في استتباب أمر المسلمين، ومحافظته على الفرائض والسنن، وغير ذلك من الأخلاق العالية، والهمم الشماء، والمنازع القعساء مايذكر بأخلاق الصحابة الكرام، بل يشبه من أخلاق الخلفاء الراشدين العظام، ولا أقول هذا في مقام تأبين من عادة الناس أن يروا فيه الحسنات مجسمة، وأن يحملهم الموت على طي الهنات وتناسي السيئات، بل أقول أنه كان هذا لسان جميع من خالطوه، والفقيد رحمه الله ملآن حياة، وكل من خالطه يعرف منه هذه الاخلاق بأجمعها ويعرف أكثر منها؛ وطالما كان يقول الأمير سعيد حليم الصدر الأعظم: إن الامة الاسلامية والدولة العثمانية لم تقدر هذا الرجل حق قدره ...
وإني لمتذكر كوننا صمنا شهر رمضان في مرسين وذلك سنة 1342هـ، فكنت إفطر في منزلي بالبلدة ثم أذهب الى خرستيان كوى حيث يقيم السيد، ونصلي وراءه العشاء والتراويح، وكان يجتمع المغاربة الذين في مرسين نحواً من أربعين شخصاً ويصلون وراءه أيضاً، فكان يقرأ خمس القرآن في كل صلاة، وكنت صليت وراءه ساعتين؛ فعجزت عن ذلك، وصرت أقتصر على صلاة العشاء وكانوا هم يصلون التراويح، وبعد الصلاة نجلس الى السحور، وكان في القراءة يتدفق كالسيل ولايتوقف، ولايتردد، ولايتلعثم، وكنت أقضي من ذلك العجب العجاب، وأقول كيف أن رجلاً كهذا الرجل قد توسط بين الخمسين والستين من العمر، وتحمل من الهموم، والاثقال ماتنوء به الجبال، وهو لايزال يتذكر كتاب الله كله ويقرأه عن ظهر قلبه كقراءته للفاتحة؛ لم