الاسلام ذليلاً مهيناً: وماذا أفادنا قيام السيد السنوسي في وجه إيطاليا، وهل كان ذلك إلا سبباً في زيادة قهر المسلمين، وإرهاقهم، بأفانين الظلم، وأساليب الاستئصال في طرابلس الغرب؟ فلو كان هؤلاء الاهالي قد خضعوا من بداية الأمر للدولة التي قد احتلت بلادهم وقضي الله بسيادتهم عليهم لربما كانوا قد نجوا من العذاب المقيم الذي هم فيه والخطوب التي أبادت خضراءهم، وماأشبه ذلك من الاعاليل التي تفيض بها قرائح النفوس الخاملة المولعة بالاستحذاء للأجنبي أيا كان.

وجوابنا على ذلك بسيط وهو: إننا مارأينا أمة اوروبية مهما قل عددها وانقطع مددها، قد رضيت بالاستحذاء لدولة اوروبية عظيمة مهما علا سلطانها، وغلظت ملكتها في الأرض؛ بل القاعدة عند الأوروبيين -الذين هم قدوة الشرقيين الآن في جميع المآخذ والمتارك- هي أن الأمة المستقلة لابد لها من أن تذود عن حوضها وتدافع بغير دفاع فالموت أولى به من الحياة بلا نزاع. وأن بقية السيف مهما قلت هي أشرف مقاماً، وأرجى حياة من الكثرة المستنيمة الى الذل ولو كان كالجراد المنتشر، وقد حققت الحوادث، وأيدت التجاريب أن الخضوع ليس من أحسن الوسائل التي تعالج بها عداوة الأعداء وأن قول الشاعر:

قاتل عدوك باللسان

وإن قدرت فبالسنان

إن العداوة ليس

يصلحها الخضوع مدى الزمان

لاتزال هي الحقيقة السياسية التي تدين بها دول العالم الحديث، كما دانت بها دول العالم القديم. ولعمري لو خضع الطرابلسيون من أول الأمر أكمل الخضوع لايطاليا لما كان لذلك نتيجة سوى زيادة الطغيان في معاملتهم واستخفافهم بملتهم، وامتداد أيدي الأوروبيين دون أدنى تردد الى كل قطر من الأقطار الاسلامية قياساً على قضية طرابلس، واعتقاداً بأن هذه الامة قد فقدت حسيس الحياة فهي لاتبدي، ولا تعيد، ولا تفعل فيها الأسنة ولا السهام لأنه مالجرح بميت ايلام.

قد استشهدنا على صحة المقاومة ولو كان المعتدي قوياً، والمعتدي عليه ضعيفاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015