إن الدول قررت عدم إقراض مال لتركيا إذا كانت لاتزال ترفض الصلح مع إيطاليا فقال شكيب أرسلان: إن تركيا مضطرة أن تتابع الحرب حفظاً لشرفها. فقال الشيخ علي: ومن أين تأتي بالمال؟ فقال شكيب: كل ماتنفقه تركيا على حرب طرابلس هو 70 ألف جنيه كل شهر، والحال أن إيطاليا تنفق في الشهر مليون جنيه.

فقال الشيخ علي: إلا أن السبعين ألف جنيه بالنسبة إلى تركيا، كالمليون جنيه بالنسبة إلى إيطاليا، فالدولة لاتقدر على متابعة الحرب. فقلت له: إذا عجزت الدولة فالعالم الإسلامي يقدر على مساعدة طرابلس. فقال: أما نحن أهالي مصر فلا نقدر إذا صالحت الدولة على طرابلس أن نستمر على مساعدة الطرابلسيين إذا يكونون حينئذ رعية ثائرة على إيطاليا. قال شكيب: هذا كله يقوله الشيخ علي يوسف لا الخديوي بل الخديوي كان ساكتاً وقد علت وجهه الحمرة ... فلما سمعت جدال الشيخ علي هذا غضبت، وقلت له بحدة: لاتساعدون أهل طرابلس فا الله يغنيهم عنكم، فانقطع الكلام على أثر هذه الحدة ووجم الخديوي، وصار قاضي مصر يبتسم. وقمنا عن السفرة إلى الصلاة، فأخذني الخديوي بيدي لأنه شعر بكوني تأثرت جداً، ومازال حتى وصلنا إلى السجادة الخاصة به فتنحى قليلاً إلى اليمين حتى أن السجادة تسعه وتسعني. وكل هذا يقصد به تلطيف خاطري، وأنا لا أعي من التأثر، فلما بدأ الإمام بالصلاة ولم يكن الإمام حاضراً مجلسنا ولا سمع شيئاً مما دار بيني وبين الشيخ علي ألهمه الله أن يقرأ بعد الفاتحة (?) قوله تعالى: "فلا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً ... " (سورة يونس، آية).

وبالرغم من كل الظروف وبقاء المجاهدين وحدهم في القتال وأمام تعدد احتياجاتهم ونواقصهم الحربية، وضغط الإيطاليين عليهم بالتركيز في شنّ حملات قوية وكبيرة إلا أن المجاهدين استمروا بنفس الروح الجهادية الأولى (?)، وكان المجاهدون قد التزموا الدفاع والتربص بالعدو حتى إذا خرج الطليان من مراكزهم انقضوا عليهم، فأوقعوا بهم شر مقتلة، وغنموا منهم أسلاباً كثيرة أمدتهم في الحقيقة بأكثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015