ومكث فيها سبع سنوات تقريباً، فأخذ العلم بالرواية عن أفاضل علماء فاس مثل، حمودة بن حاج، حمدون بن عبد الرحمن، والطيب الكيراني، محمد بن عامر المعواني، وأبي بكر الأدريسي، وادريس بن زيان العراقي، ومحمد بن منصور، ومحمد بن عمر الزروالي، ومحمد البازعي، والعربي بن أحمد الدرقاوي، وكان العربي الدرقاوي من شيوخ الطريقة الشاذلية، وتبحر ابن السنوسي في معرفة الطرق الصوفية إلى جانب التفقه في علوم الدين، وتحصل على إجازات من علماء راسخين وأصبح مدرساً بالجامع الكبير بمدينة فاس ونال المشيخة الكبرى بها (?) وأقبل الناس عليه لما رأو من صلاحه وتقواه وفهمه الدقيق لعلوم الشريعة، وروحه الفياضة، وعقله المتنور، وفكره الناضج، وخشيت حكومة السلطان سليمان من نفوذه وبدأت العراقيل، ووجد أن لافائدة ترجى من بقائه بفاس وقرر الارتحال عنها بعد أن تبلورت أصول الدعوة في ذهنه وعزم على محاربة الأوهام والخزعبلات التي أبعدت الاسلام عن حقيقته، وحجزته بينه وبين أتباعه من أن يحقق لهم ماحققه في عهده الأول من رفعة وتلك هي الوسيلة الوحيدة التي تمنح المسلمين القوة، وتمكن لهم من دفع عدوهم عنهم، كما أن تجربته مع السلطان أكسبته خبرة في التعامل مع الحكام في المستقبل، ولقد لاحظ في فاس تباعد الأمة عن دينها وعقيدتها وانحرافها عن كتاب ربها وسنة نبيها وكيف بدأ الغزو الأوروبي يؤثر على المدن المغربية؟ وكيف دخلت البلاد في الصراعات والخلافات الداخلية؟ ولعل الذي جعله يبقي في المغرب الأقصى مدة سبع سنين متتالية جامع القرويين الذي وجد فيه جماعة من العلماء الذين ذكرت بعضهم، وكان يتشوق الى لقائهم (?)
ولقد تعمق أحساسه بالخطر الأوروبي وشعر بالاخطار التي كانت تتهدد هذه البلاد من الدول الصليبية، ولقد سمع بعض الناس يتحدثون عن النكبات التي حاقت بها من هذه الدول منذ قرنين من الزمن، حين احتل الاسبان أجزاء كثيرة منها، كالمرسى الكبير، ووهران، وعنابة وتنس ومدينة الجزائر، ومستغانم (مسقط رأسه) ومازالت أعمالهم الشنيعة، وأفعالهم