الحركة السنوسية خصوماً عنيدين، عطلوا عليها اعمالها لدرجة بعيدة، فحاولت الدول الأوروبية التقدم، والتقرب من الامام المهدي السنوسي؛ فكان لايأبه بمحاولة هذه الدول، من أجل التقرب إليه، وفشلت وسائلهم في اجتذابه إليهم، وأعرض عنهم، وعظمت مخاوفهم من تشكيلاته، وحركاته، وانكبوا يسعون لدى الدولة العثمانية ويشددون الضغط على السلطان عبد الحميد الثاني كي يتوسط بوصفه الخليفة الأكبر في استدعاء السيد المهدي في أفريقيا للإقامة في أرض الحجاز أو في دار الخلافة وعدم مغادرتها والعودة الى وطنه، ولكن السلطان لم يجب الدول الى هذه الرغبة، بل وقف مع محمد المهدي موقفاً مشرفاً.
لقد وجدت الرسالات التنصيرية المسيحية في السنوسيين خصوماً عنيدين عطلوا عليها أعمالها لدرجة بعيدة، إن لم يكونوا قد أفسدوا هذه الأعمال في بعض الجهات وأبطلوها زد على ذلك أن نجاح الدعوة السنوسية وتقوية أركانها جعلت الدول الأوروبية تسعى لتوقي خطرها ووجدت فرنسا نفسها في طريق الاصطدام عاجلاً أو آجلاً مع الحركة السنوسية، اضف الى ذلك أصبحت إيطاليا بعد وحدتها تتطلع الى احتلال طرابلس الغرب، وغدت تبذل كل مابوسعها لكسب المهدي السنوسي، لعلها تظفر بسكوته حينما تواتيها الفرصة لتحقيق هدفها، وأما ألمانيا بعد خروجها منتصرة من الحرب السبعينية شرعت في كسب المهدي حتى يدعمهم ضد فرنسا في افريقيا الغربية (?)، فحاولوا عام 1872م مفاوضة المهدي على أمل تحريكه ضد الجهات التي خضعت للفرنسيين في أفريقيا الشمالية والغربية، ولكن محاولتهم ذهبت سدى، لأن المهدي رفض مقابلة الرسل الذين أوفدوهم إليه فغادر هؤلاء البلاد دون أن يتمكنوا من الحديث معه، ومع هذا فقد تكررت محاولات الألمان في الأعوام التالية للغرض نفسه واستطاع الرحالة (جبرار رولفس) في عام 1876م أن يزور برقة والكفرة ثم قصد الى الجغبوب لمقابلة السيد المهدي، ووقف عند (سبر سلام) بالقرب منها؛ وقابله احمد بن البسكري عدة مرات، ولكنه عجز عن الوصول الى المهدي السنوسي (?).