وجمد المسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إلا ترديد بعض الكتب الفقهية، والنحوية، والصرفية، ونحوها، وجمدوا على فقه المذاهب، وجل همهم التعمق في الحواشي، وحفظ المتون، دون القدرة على الاجتهاد.
وجعلوا لكل مذهب من المذاهب الفقهية مفتياً وإماماً، وتعددت الجماعات في المسجد الواحد كل ينتصر لمذهبه، وكل يصلي خلف إمام حسب المذاهب المتواجدة في ذلك المسجد، كما أن الافتاء في أي مسالة حسب مذهب السائل، وحرم على الناس خروجهم عنها، وأغلق باب الاجتهاد بمغاليق من حديد، وكان علماء الدين كما وصفهم المؤرخ الجبرتي: (انهم قد زالت هيبتهم من النفوس، وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية، ومشاركة الجهال في المآتم، والمسارعة الى الولائم في الافراح والمآتم، يتكالبون على الاسمطة، كالبهائم، فتراهم في كل دعوة ذاهبين، وعلى الخوانات راكعين ولما وجب عليهم من النصح تاركين) (?).
أمور يضحك السفهاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب
وعندما دخل نابليون بونابرت مصر غازياً، استفاد من أمثال أولئك العلماء وألف منهم ديوان القضاء وقال: (إني استعين بهم لاتقاء أكثر العقبات إذ أن أكثرها دينية، ولأنهم لا يعرفون أن يركبوا حصاناً، ولا أن يقوموا بأي عمل حربي، وقد استفدت منهم كثيراً، واتخذتهم وسيلة للتفاهم مع الشعب) (?).
لقد انتشرت في ذاك العصر الدعوات المنحرفة، والأفكار المسمومة، وكثرت مظاهر تقديس القبور، وطلب الحاجات من أصحابها، وبناء القباب الضخمة عليها