قال معاوية: فخذ في حديثك يا عبيد. قال: فمكث تبع الرائد بن تبع الأقرن بن شمر يرعش وهو تبع الأكبر - غزوه - وكان يقال له الرائد ثم أقام عشرين سنة لا يغزو فانقضت عليه الترك والخزر. فلما بلغه ذلك أرسل إليهم فامتنعوا منه وحبسوا الهدايا وقتلوا الرسل. فسار إليهم في الوجه الذي كان الرائش يسلك إليهم فيه على جبل طئ حتى خرج على الأنبار، ثم مضى إليهم قدماً فلقيهم على الحد من أذربيجان والموصل وقد اجتمعوا ونظروا إلى رايته. فاصطفوا للقتال، فاقتتلوا أياماً، ثم إنه هزم الترك فقتل المقاتلة وسبى الذرية، وأقام يخرب بلادهم، ثم رجع إلى بلاده بعد أن وطئهم وأذلهم.
قال معاوية: وما الترك وأذربيجان؟ قال عبيد: هما بلادهم يا أمير المؤمنين. فنحوا مما يليهم ومما يتوجه عدوهم إليهم - وهي وجه المحاربة لهم - قال معاوية: من أين علمت ذلك يا عبيد؟ وإنهم اقتتلوا هنالك؟ قال عبيد: يا أمير المؤمنين أهمني ذلك فسألت عنه من وقع إلينا من هذه الأعاجم وغزوت أيضاً إلى ذلك الثغر، فسألت وفي السؤال شفاء من العي وبيان من العمى، وإذا تقادم الشيء فلم في ذكره ذهب أصله وبطلت حقيقة أمره وماتت شواهده.
قال معاوية: فهل قيل في ذلك شعر؟ قال عبيد: نعم يا أمير المؤمنين. وقد قال في ذلك تبع الاقرن في مسيره:
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسى
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت بالنفس
لم أدر ما يقضيه حكم غد ... ومضى بفصل قضائه أمس
وعلمت أني إن ظفرت بهمتي ... إلا لا غزو مطلع الشمس