قال معاوية: لله أبوك يا عبيد لتأتي بالعجب من حمير! ولقد جئت من ذلك بشفاء واضح ودليل ناصح من أشعارهم! فإن الشعر ديوان العرب والحكم بينها! قال معاوية: فمن ملك بعد الأقرن؟ قال: ملك ابنه تبع - وقد قال ابنه تبع بعد انصرافه شعراً يتندم فيه على أن لا يكون حمل أباه حين مات إلى اليمن. قال معاوية: وما ذلك الشعر يا عبيد؟ قال: قال تبع في ذلك هذا الشعر الذي يقول فيه:
قد كان في رأيي وعزم أرومتي ... حمل الهمام إلى محل يماني
أعني ابن شمر حين ودع حميرا ... وابن الملوك وقاتل الفرسان
ذاك الغريب بدار بعد ليتني ... كنت المواسي حيث كان دهاني
ذهب الزمان به وخلف بعده ... أحياء حمير في ردى وهوان
لو كان عدم يوم حمل عاديا ... يلقى عليه الكتب غير هواني
يا لهف نفسي حين ولت حمير ... يوم الرحيل بترك خبر زماني
هلا أقمت لديه يوم أحشه ... تحت التراب فكان ذاك مكاني
قال معاوية: يا عبيد هذا التندم منه؟ قال عبيد: سمعت قبل الإسلام رجلاً من
حمير يقول: إنهم حملوه حتى دفنوه في اليمن، ولو كان ذلك كذلك لم يقل فيه ابنه ما قال. قال: لله أبوك يا عبيد، هذا التبع الذي كان - يقال له أبو كرب - قال: لا يا أمير المؤمنين هذا جد ذلك. قال معاوية: وهل كان فيهم تبع غير تبع واحد؟ قال: نعم. كانوا سبعة. ولكن تبع اسعد ملك، فاشتد سلطانه وطال ملكه، فذهب باسم من كان قبله، ونسب إليه من كان منهم بعدهم. وسيأتيك علم ذلك يا أمير المؤمنين في الحديث - إن شاء الله تعالى.