وسلب النعمة أربعين يوماً، ثم رد الله عليه ملكه. وما ذلك كان من ذنب له عند الله ولكن ذلك صنعه بالنبيين والصالحين يبتليهم بذلك وينظر كيف صبرهم وليمحو ذنوبهم ويعظم في الآخرة أجرهم، قلت له: إنك لفقيه فما دينك؟ قال لي: الإسلام، قلت: فهل تقرأ؟ قال لي نعم: ثلاثة ألسن فوقع في نفسي أمر الورقة واللوح فأخرجتهما إليه فإذا هو يقرأ ذلك الكتاب وإذا هو بالمسند كتب، وإذا في الورقة التي كانت مع الشيخ المغلولة يده إلى عنقه والمضروب في رأسه وتد خارج من دبره، هذا الشيخ عمرو بن لحي أول من غير دين إسماعيل وعبد اللات. قال: وقرأ اللوح الذي أصبنا مع العجوز فإذا فيه: هذه سعدة بنت جرهم جلبت السحر من دنيا وند وتعلمته وسحرت سبعة أخوة من خيار جرهم فصيرتهم وحوشاً لا يقرون مع الأنس ولا يطمئنون إلى دعة ويرعون مع الوحش كما ترعى. فأتت أمهم إلى نابت بن قيذار بن إسماعيل في الشهر الأصم فقالت له: يا ولي الله إن سعدة الساحرة أتلفت أولادي عني أحوج ما كنت إليهم فأنا مؤمنة وهي كافرة فادعوا الله عليها، فقال لها: افعلي، فقالت: رب إنه الشهر الأصم حرمت ما حرمت فيه فانتقم ممن لم يحرم حرامك ولم يحل حلالك وقالت:
يا رب إن سعدة السحارة ... تحملت مآثما كباره
قد سحرت ظالمة أولادي ... وشردتهم فيغبا البلاد
هاموا مع الوحش مع الغفول ... ويعسفون غامض المجهول
فأبلها بنفسها يا رب ... ولقها سوء جزاء الكسب
وانسها السحر بعدل منكا ... واهتك لها ستر الحياء هتكا
ولقها ما عملت في عاجل ... وفرجن كرب المقام الهائل