لأنه يعرف علامات الموضع، فلما نال من الغار توار عن عونيه ليقضي أربه وبات عوناه أرقين قد ذعرهما ما يريان من وحشة ذلك الموضع وهوله. فحدثني العونان قالا: سمعنا في جوف الليل حساً وذعراً وحركة شديدة من ناحية العبد واضطراباً، فجزعنا من القيام إليه لخوف داخل قلوبنا. فلما أصبحنا أصبناه ميتاً وفي حلقة آثار وفي ثيابه أخداش فحفرنا له وأوريناه وولينا هاربين لئلا يدركنا الليل في ذلك الموضع. قال: ومكثت الورقة واللوح عندنا سنين لا نجد أحداً يعلم ما فيهما، فبينما أنا في موضع، إذا أنا برجل من أهل نجران من بني الحارث بن كعب، نبيل جميل وهو يسأل، فقلت له: والله يا عبد الله انك لجميل وخليق بالخير فما اضطرك للمسألة؟ فقال لي: يا عبد الله الحمد لله الذي أحسن أبيك وأغناك عن خلقه ومنعك من هذا المقام، اعلم إن الغنى والفقر حظان مقسومان كنت عظيم الدنيا فابتليت بأن سلبت وملك رقي فأعلمت الذي ملك رقي رجل من البغاة من بني الحارث بن كعب من أبناء الملوك فاشتدت قسوته علي حين أعلمته فتركته ليلة من ذلك حتى تباعد عن الحي في بعض حاجاته، فأخذت سيفاً لبعض أهل الحي وقتلته، فصاح لما ضربته فسمعه ولداه، فتبعاني فرجعت عليهما، فلقيت واحداً فطعنني فبريت قناته ثم أمضيت عليه ولقيت الآخر وبيده سيف فغلبت عليه فقتلته. فإن علاني الزمان فلكل شيء دولة
فالفقر يدال من الغني والسقم يدال من الصحة والهرم يدال من الشباب والموت يدال من الحياة. وقد كان سليمان بن داود بالمكان الذي علمت فابتلى بأن سلب ملكه وجلس عدوه على كرسيه، وابتلى بالفقر وتصدق عليه