وإنما هو شيء أحدثه المتأخرون من المتكلمين فلا يجوز أن يقال: إن لفظ الأمرلا تأتير له في اللغة وإنما يحتاج إلي قرينة، وقد قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، فوجب بهذا الوعيد حمل الأمر على الوجوب، وحجة من قال بالوقف وطلب الدليل علي أن المراد بالأمرأن الأمر قد يرد علي معان -أوضحناها في الأصول نحو الثلاثين معني- فالواجب أن ننظر، فإن وجدنا ما يدل على غير الواجب حمل عليه، وإلا فظاهره الوجوب؛ لأن قول القائل: افعل، لا يفهم منه لا تفعل ولا افعل إن شئت إلا أن يصله بما يفعل به التخيير، وإذا عدم ذلك وجب تنفيذ الأمر.
واحتجوا علي وجوب طلب الدليل والقرينة على المراد بالأمر فقالوا: اتفق الجميع علي حسن الاستفهام علي معنى الأمر إذا ورد هل هو على الوجوب أو على الندب، ولو لم يصلح استعماله فيه لقبح الاستفهام عنه؛ لأنه لا يحسن أن يستفهم هل أريد باللفظ مالا يصلح إجراؤه عليه إذ لا يصلح إذا قال القائل: هل رأيت إنسانًا أو حمارًا؟ وحسن أن يقال له: أذكر أم أنثى؟ لصلاح وقوعه عليهما، وقد ثبت قبح الاستفهام مع القرائن الدالة على المراد بالمحتمل من اللفظ، وإنما يسوغ الاستفهام مع التباس الحال وعدم القرائن الكاشفة عن المراد (?).
قال ابن بطال: وما ذكره البخاري في الباب من الآثار تبطل هذا