ولعله يقر خالياً ويأبى من البينة فهذا يلزمه ما سمع منه، قيل: فرجل لا يقر إلا خالياً هل أقعد له بموضع لا يعلم للشهادة عليه؟ قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرهما، ولكنني أخاف أن تسمع جوابه لسؤاله، ولعله يقول له في سر: ما الذي لي عليك إن جئتك بكذا؟ فيقول له: لك عندي كذا، فإن قدرت أن تحيط بسرهما فجائز.
وَفِي الأَدَاءِ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ، فَفِيمَا تَمَحَّضَ مِنْ حَقِّ الآدَمِيِّ قَادِحَةُ، فَإِنْ كَانَتْ حَقاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمِ كَالطَّلاقِ وَالْعِتَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ وَالْوَقْفِ وَكَذَلِكَ الْعَفْوُ عَنِ الْقَصَاصِ لَمْ تَقْدَحِ الْمُبَادَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَتْ حَقَّاً لا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلا تَقْدَحُ وَلا تَجِبُ إِلا فِي التَّجْرِيحِ لِمَنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ ..
حاصل كلامه أن الحقوق ثلاثة:
الأول: حق متمحض لآدمي فلا يؤديها قبل أن يسألها، بل رفعه لها قدح في عدالته، نعم قال علماؤنا: يجب عليه أن يعلم صاحبه به إن كان حاضراً، فإن لم يفعل فروى عيسى عن ابن القاسم: ذلك جرحة وتبطل شهادته، وقال مطرف وابن الماجشون: إلا أن يعلم صاحب الحق بعلمهم، وجعله ابن رشد تفسيراً. وقال سحنون: لا يكون ذلك جرحة إلا في حق الله تعالى؛ لأن صاحب الحق إذا كان حاضراً فقد أضاع حقه، وإن كان غائباً فليس للشاهد شهادة.
ابن يونس: ويلزم على هذا التعليل أنه إن كان حاضراً لا يعلم أن تلك الرباع له مثل أن تكون تلك الرباع لأبيه فأعارها للذي هي بيده، أو أكراها منه فباعها للذي بيده، والولد لا يعلم أن تلك الرباع كانت لأبيه- أن على الشاهد أن يعلم بذلك وإلا بطلت شهادته.
الباجي: وعندي أن ذلك إنما يكون جرحة إذا علم الشاهد أنه إذا كتمها ولم يعلم بشهادته بطل الحق أو دخل بذلك مضرة أو معرة، وأما على غير هذا فلا يلزمه القيام بها؛ لأنه لا يدري لعل صاحب الحق قد تركه.