المازري: وقول ابن كنانة هو ظاهر المدونة؛ لقوله فيها: والمحدود إذا ظهرت توبته وحسنت حالته جازت شهادته في الحقوق والطلاق، فالظاهر عموم الحقوق. ورأى بعضهم أن ظاهر المدونة كالمشهور، ولهذا يقع في بعض النسخ قول المصنف: (وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ) إثر: (الْمَشْهُورِ).
قوله: (وَفُرِّقَ) أي: على القول بالقبول هنا بينه وبين ولد الزنى، بأن ولد الزنى عاره لا يرتفع بالتوبة بخلاف هذه الأشياء فإن معرتها تزول بالتوبة ويصير الفاعل لها كأنه لم يفعل كالكافر إذا أسلم.
وفيه نظر؛ لأنه وإن تاب وحسنت حالته يعلم من الناس أنهم ينظرونه بتلك العين فيجد في نفسه انكساراً فيتسلى بما يصيب غيره من ذلك.
السَّادِسُ: الْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي التَّحَمُّلِ وَالأَدَاءِ وَالْقَبُولِ، فَفِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي لِتَحَمُّلِهَا: لا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ وَقَالَ مُحَمَّدُ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعاً أَوْ خَائِفاً.
قوله: (فِي التَّحَمُّلِ) يحتمل أن تكون (فِي) للسبية أو للظرفية، ثم بدأ بالكلام على الحرص في التحمل، وذكر أن المشهور لا يقدح، وبه قال أشهب وعيسى بن دينار، وعليه عامة أصحاب مالك وأكثر أهل العلم.
ومقابل المشهور إما مبني على القول بأنه لا يجوز حتى يقول المشهود عليه للشاهد: اشهد علي- وهو قول لمالك- وإما مبني على القول بجوازها لكن يرى الاختفاء يضر بها.
ابن رشد: وهو قول سحنون، وقول محمد تقييد للمشهور، بل هو من تمامه؛ ففي الموازية قال مالك في رجلين قعدا لرجل من وراء حجاب يشهدان عليه، قال: إن كان ضعيفاً أو مخدوعاً أو خائفاً لم يلزمه، ويحلف: "ما أقر إلا ما ينكر" وإن كان على غير ذلك لزمه،