أحدهما: اشتراطه دفعاً للتهمة اللاحقة للقاضي من جهة الحكم له أولاً.

والثاني: عدم الاشتراط لضعف التهمة، لأن النفس مجبولة على دفع الخطأ عنها، وهو قول أصبغ، قال: إشهاده على الفسخ كاف إذا كان مأموناً، ولكن لو قال مع هذا: قضيت للآخر لم يجز قضاؤه لعدم استيفاء الآجال والجرح والحجج، وعادا جميعاً إلى رأس أموالهما.

وَلا يُحِلُّ الْقَضَاءُ حَرَاماً كَمَنْ أَقَامَ شُهُودَ زُورٍ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَحُكِمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ لِلْمَالِكِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ..

أي: لا يحل حراماً في الأموال ولا في الفروج ولا غيرهما، والمثال الذي قاله المصنف: (كَمَنْ أَقَامَ شُهُودَ زُورٍ) ظاهر، وكما لو شهد رجلان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثاً ففرق القاضي بينهما وانقضت عدتها، فلا يجوز للشاهد أن يتزوجها، وبقولنا قال جمهور العلماء. ووافقنا أبو حنيفة في الأموال وخالف في الفروج، ورأى أن القضاء يحلها، وبه قال كثير من أصحابنا فيما حكاه ابن عبد البر، وعلى هذا فالأموال مجمع عليها، لكن وقع في المذهب قول فيمن شهد على رجل أنه أعتق عبده فرد القاضي شهادته، ثم اشتراه ذلك الرجل الشاهد- أنه لا يعتق عليه ولو تمادى على إقراره بعد الشراء، وكذلك من اشترى أمة واختلف مع البائع بوجه من الوجوه المؤدية في اختلاف المتبايعين إلى فسخ البيع ورجعت الأمة إلى البائع- أنه يجوز له وطؤها، وفيها اعتذارات ضعيفة مع أن الأمر يؤدي فيها إلى خلاف الإجماع؛ لأن ذلك في الأموال.

ودليل الجمهور ما رواه مالك وغيره أنه عليه السلام قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار" والحديث عام في الفروج وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015