خليل: وقال عياض: وقوله في المدونة: "إذا تبين للقاضي أن الحق في غير ما قضى به رجع فيه "حمل أكثرهم مذهبه في الكتاب على أن له الرجوع كيف كان؛ من وهم أو انتقال رأي، وهو قول مطرف وعبد الملك، وقال سحنون: ونقل أيضاً عن عبد الملك أنه إنما يرجع فيما حكم به ذهلاً أو غلطاً لا فيما انتقل فيه اجتهاده، وهو أظهر وأقرب للصواب، وإلا لما استقر حكم حاكم وما كان أحد على وثيقة من الحكم. انتهى باختصار.
ونقل أشهب في الموازية: إن كان القضاء بمال نقضه، وإن كان بإثبات نكاح أو فسخه لم ينقضه.
ابن عبد السلام: وكلام المصنف بحسب ما تدل عليه صيغة أفعل يوهم أن محل الخلاف مقصور على ما إذا ظهر للقاضي أن ما حكم به أولاً صواب وأن غيره أصوب، وأنه لو ظهر له أن ما حكم به خطأ لنقضه بالاتفاق، وليس كذلك، بل المسألة مفروضة في الرواية إذا ظهر له أن الحق في غير ما حكم به، ولو أخذ من هذا الكلام أن الحكم في مسألة المؤلف عدم النقض لما بعد. انتهى.
وفيه نظر؛ فقد قال صاحب البيان: إذا حكم باجتهاد ثم رأى خلافه فالمشهور من المذهب أن القاضي إذا قضى بقضاء ثم رأى ما هو أحسن منه فإنه ينقضه ويرجع إلى ما رأى ما دام على ولايته، وعلى هذا فالخلاف في الصورتين.
وَلا يُمْضِي فَسْخَ حُكْمِ غَيْرِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ وَجْهَ فَسْخِهِ اتَّفَاقاً، وَفِي فَسْخِ حُكْمٍ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ قَوْلانِ ..
يعني: أنه إن فسخ حكم غيره فالاتفاق على أنه لابد من بيان وجه الفسخ؛ دفعاً للظنة عنه في حق القاضي المتقدم، ولحق المحكوم عليه أولاً، وهكذا حكى ابن حبيب الاتفاق، وفي اشتراط بيان وجه الفسخ في حكم نفسه قولان: [658/ ب].