المصنف المتقدم يوضحه. والمشهور- كما قال- أنه يحنث بالبعض، ومقابل المشهور حكاه في الكافي عن ابن لبابة أنه لا يحنث إلا بالجميع وخرجه ابن الجلاب على قوله: أنه لا يبر إلا بالكل وهو قول الشافعي، وأما في البر فذكر المصنف الاتفاق على أنه لايبر إلا بالجميع وخرج فيه ابن الجلاب قولاً ببراءته بالبعض من الحنث بالبعض، ووُجِّه المشهور بوجوه:
أولها: أن القصد العام في الحالف على عدم لأكل التجنب، ومن فعل البعض لم يتجنب.
ثانيها: أن الحالف على عدم الأكل يجري مجرى التحريم، والتحريم يقع بأدنى سبب ألا ترى أن الأم تحرم بالعقد، وتحرم المرأة به على آباء الزوج وأبنائه، والحالف على الأكل يجري مجرى الإباحة وهي لا تحصل إلا بالنهاية إذ لا تحل المبتوتة بالعقد، وإنما تحل بالوطء. وهذا الدليل للشيخ أبي محمد، ورُدَّ بعدم اطراده فإن البنت لا تحرم بالعقد على أمها، وأجيب بأن الغالب التحريم بالأقل، فوجب الحمل عليه.
ثالثها: أنَّا اجتمعنا نحن والشافعي على أنه إذا قال: والله لا كلمت زيداً ولا عمراً ولا خالداً أنه يحنث بكلام واحد، ولا فرق بين هذا وقوله: والله لا كلمت زيداً وعمراً وخالداً، ولا تكرار حرف النفي وهو مضمر مع الواو فلا فرق بين إظهاره وإضماره، وهذا الدليل للمصنف ذكره القرافي ورد بأنا لا نسلم أن إعادة حرف النفي من باب التأكيد، بل من باب التأسيس فإنه مع حذفه يحتمل الحلف على كلامهم مجتمعاً ومفترقاً، ومع ثبوته يتناول اليمين كل واحد من الأمرين، فوجب الحنث بفعل كل واحد منهما، وهو الذي ذكره في معنى حرف النفي نص عليه السهيلي، فمن الجائز أن يذهب الشافعي ومن وافقه في عدم التحنيث بالبعض إلى هذا المذهب، قال في المقدمات فيمن حلف لا يأكل هذا الرغيف: حنث بأكل بعضه إلا إذا كانت له نية أو بساط يدل على إرادة استيعاب جميعه. ومن حلف ليأكلن هذا الرغيف لم يبر إلا بأكل جميعه إلا أن تكون له نية أو بساط يدل على إرادة البعض. انتهى.