الجَوَابُ:
أَنَّ الَّذِيْ لَا يَجُوْزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ تَعَالَى هُوَ الشَّرُّ الَّذِيْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الأَفْعَالِ - أَيْ نَفْسِ فِعْلِهِ تَعَالَى -، وَلَكِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ تَعَالَى خَلْقًا وَمَشِيْئَةً؛ إِذْ لَا يَحْصُلُ فِي مُلْكِهِ تَعَالَى إِلَّا مَا شَاءَ وَأَذِنَ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَفي الحَدِيْثِ (والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ)، (?) فَهُوَ سُبْحَانَهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْمُ الحَكِيْمُ.
وَقَرِيْبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوْكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:35). (?)
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الحَدِيْثِ (وَتَؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) يُقْصَدُ بِهِ المَقْدُوْرُ أَوِ القَضَاءُ وَهُوَ المَخْلُوْقُ (?)، وَلَيْسَ نَفْسُ تَقْدِيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ كُلُّهُ خَيْرٌ، وَالقَدَرُ وَالقَضَاءُ هُمَا مِنَ الأَلْفَاظِ المُشْتَرَكَةِ الَّتِيْ إِذَا اجْتَمَعَتْ افْتَرَقَتْ؛ وَإِذَا افْتَرَقَتْ اجْتَمَعَتْ. (?) (?) (?)
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ اسْمَ مَا تَوَلَّدَ مِنَ الشَيْء عَلَى الشَيْءِ؛ وَأَيْضًا تُطْلِقُ الصِّفَةَ عَلَى المَفْعُوْلِ، كَقَوْلِكَ عَنِ المَقْدُوْرِ: هَذِهِ قُدْرَةُ اللهِ، فَمِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ يُمْكِنُ التَّعْبِيْرُ عَنِ المَفْعُوْلِ بِالصِّفَةِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْهَا، فَالقَدَرُ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ تَقْدِيْرِ اللهِ تَعَالَى - وَهَذَا مُلَازِمٌ لِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ العُلَى - وَهَذَا كُلُّهُ خَيْرٌ؛ لَيْسَ فِيْهِ شَرٌّ مُطْلَقًا، وَأَيْضًا يُطْلَقُ القَدَرُ عَلَى المَقْدُوْرِ، وَهُوَ المُفْعُوْلِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خَلْقِهِ - وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ فِيْهِ الخَيْرُ وَالشَّرُّ -، لِأَنَّهُ كُلُّهُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ ابْتِلَاءِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوْكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:35)، فَيَظْهَرُ فِيْهِ - مَآلًا - فَضْلُهُ تَعَالَى مَعَ المُطِيْعِ، وَعَدْلُهُ مَعَ العَاصِي، وَكُلُّ ذَلِكَ خَيْرٌ فِي حَقِيْقَتِهِ.
وَقَدْ أَشَارَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى ذَلِكَ في صَحِيْحِهِ فَقَالَ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلَائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ؛ وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُوْلٌ مَخْلُوْقٌ مُكَوَّنٌ). (?) (?)