حَيْثُ كَانَتْ أَدِلَّةُ الفِرْقَةِ الأُوْلَى (الجَبْرِيَّةِ) - بِإِيْجَازٍ -:
- قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُوْنَ} (الصَّافَّات:96). (?)
- قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} (الأَنْفَال:17) , فَنَفَى اللهُ الرَّمْيَ عَنْ نَبِيِّهِ حِيْنَ رَمَى وَأَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ!
وَكَانَتْ أَدِلَّةُ الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ (المُعْتَزِلَةِ القَدَرِيَّةِ) - بِإِيْجَازٍ -:
- قَوْلُهُ تَعَالَى {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيْدُ الآخِرَةَ} (آل عِمْرَان:152)، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ} (التَّكْوِيْر:28)، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيْدِ} (فُصِّلَت:46). وَنَحْوِهَا مِنَ النُّصُوْصِ القُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ لِلعَبْدِ إِرَادَةً وَمَشِيْئَةً خَاصَّةً بِهِ, وَأَنَّهُ هُوَ العَامِلُ الكَاسِبُ الرَّاكِعُ السَّاجِدُ وَنَحْو ذَلِكَ.
- أَنَّ هَذَا فِيْهِ نِسْبَةُ الفَحْشَاءِ - بِزَعْمِهِم - إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَعْصِيَةُ العَبْدِ لَا يَجُوْزُ أَنْ تُنْسَبَ إِلَيْهِ تَعَالَى!
الجَوَابُ عَلَى اسْتِدْلَالِ الفِرْقَةِ الأُوْلَى:
1) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُوْنَ} هُوَ حُجَّةُ عَلَيْهِم؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ العَمَلَ إِلَيْهِم, وَأَمَّا كَوْنُ اللهِ تَعَالَى خَالِقُهُ؛ فَلِأَنَّ عَمَلَ العَبْدِ حَاصِلٌ بِإِرَادَتِهِ الجَازِمَةِ وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ, وَالإِرَادَةُ وَالقُدْرَةُ مَخْلُوْقَتَانِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَكَانَ بِهِمَا الفِعْلُ مَخْلُوْقًا أَيْضًا للهِ تَعَالَى.
2) وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِم أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَضَافَ الرَّمْيَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لَكِنَّ الرَّمْيَ فِي الآيَةِ لَهُ مَعْنَيَانِ:
أ- رَمْيُ الشَّيْءِ المَرْمِيِّ؛ وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِيْ أَضَافَهُ اللهُ إِلَيْهِ.
ب- إِيْصَالُ المَرْمِيِّ إِلَى أَعْيُنِ الكُفَّارِ الَّذِيْنَ رَمَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتُّرَابِ يَوْمُ بَدْرٍ فَأَصَابَ عَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهُم, وَهَذَا مِنْ فَعْلِ اللهِ, إِذْ لَيْسَ بِمَقْدُوْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوْصِلَ التُّرَابَ إِلَى عَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهُم. (?) (?)
3) أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حُجَّةَ المُشْرِكِيْنَ الَّذِيْنَ اسْتَدَلُّوا بِالقَدَرِ عَلَى مَعَاصِيْهِم؛ وَزَعَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ شَاءَ ذَلِكَ - بِمَعْنَى أَنَّهُم لَيْسَ لَهُم اخْتِيَارٌ يُلَامُوْنَ عَلَيْهِ - فَقَالَ تَعَالَى: {سَيَقُوْلُ الَّذِيْنَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوْهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُوْنَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُوْنَ} (الأَنْعَام:148). (?)
4) أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ لِلعَبْدِ مَشِيْئَةً مُسْتَقِلَّةً - مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِهِ -، وَلَكِنَّهَا خَاضِعَةٌ لِمَشِيْئَتِهِ تَعَالَى؛ فَلَا يَقَعُ إِلَّا مَا شَاءَهُ اللهُ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ وَمَا تَشَاءُوْنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ} (التَّكْوِيْر:29).
5) أَنَّ القَوْلَ بِسَلْبِ مَشِيْئَةِ وَاخْتِيَارِ العَبْدِ يُبْطِلُ الثَّوَابَ وَالعِقَابَ، وَلَوْلَا نِسْبَةُ الفِعْلِ إِلَى العَبْدِ مَا كَانَ لِلثَّنَاءِ عَلَى المُؤْمِنِ المُطِيْعِ وَإِثَابَتِهِ فَائِدَةٌ، وَكَذَلِكَ عُقُوْبَةُ العَاصِي وَتَوْبِيْخُهُ، وَهَذَا قَادِحٌ فِي الإِيْمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَقَادِحٌ فِي عَدْلِهِ تَعَالَى.