الجَوَابُ: لَا، وَذَلِكَ لِسَبَبَيْنِ:
1) دَلِيْلٌ أَثَرِيٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُوْدِ الكِتَابَةِ وَفِي نَفْسِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيْعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ - وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ - فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ (?) ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوْسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيْدَةً)، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؛ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: (أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ) ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى؛ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} الآيَةَ (اللَّيْل:7). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (?)
فَالحَدِيْثُ صَرِيْحٌ فِي الأَمْرِ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُوْدِ الكِتَابَةِ، وَلَكِنْ يَكُوْنُ العَمَلُ نَفْسُهُ سَبَبًا لِلجَنَّةِ أَوْ لِلنَّارِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِيْ أُورِثْتُمُوْهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} (الزُّخْرُف:72). (?)
2) دَلِيْلٌ نَظَرِيٌّ: أَنَّهُ يُقَالُ لِهَذَا الرَّجُلِ العَاصِي: مَا الَّذِيْ أَعْلَمَكَ أَنَّ اللهَ كَتَبَكَ مُسِيْئًا؟ هَلْ تَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَعْمَلَ الإِسَاءَةَ؟ فَجَوَابُهُ حَتْمًا هُوَ النَّفْيُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقُوْلَ إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ اخْتَارَ ذَلِكَ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنِ المُشْرِكِيْنَ: {سَيَقُوْلُ الَّذِيْنَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوْهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُوْنَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُوْنَ، قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِيْنَ} (الأَنْعَام:149)؛ حَيْثُ جَعَلَ تَعَالَى عَدَمَ عِلْمِهِم بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ حُجَّةً بِالِغَةً عَلَيْهِم.
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا عَنْهُم: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُوْنَ} (الزخرف:20). (?)