أَمَّا الجَوَابُ عَلَى اسْتِدْلَالِ الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ:

1) أَنَّ إِثْبَاتِ مَشِيْئَةِ العَبْدِ لَا يَعْنِي اسْتِقْلَالَهَا - مِنْ جِهَةِ الوُقُوْعِ -، وَلَكِنَّهَا تَحْتَ مَشِيْئَةِ اللهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ، وَمَا تَشَاءُوْنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ} (التَّكْوِيْر:29).

2) أَنَّ إِثْبَاتَ وُجُوْدِ شَيْءٍ فِي الكَوْنِ بِغَيْرِ مَشِيْئَةِ اللهِ هُوَ نَوْعُ إِشْرَاكٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ تَوْحِيْدِ الرُّبُوْبِيَّةِ, وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَدَرِيَّةَ مَجُوْسَ هَذِهِ الأُمَّةِ. (?)

3) أَنَّ عِلْمَ اللهِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِمَا سَيَكُوْنُ فِي المُسْتَقْبَلِ يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ أَرَادَهُ كَوْنًا؛ وَهَذِهِ هِيَ المَشِيْئَةُ.

4) أَنَّ فِعْلَ العَبْدِ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّ فِيْهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَهُوَ أَيْضًا يُنْسَبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى خَلْقًا وَمَشِيْئَةً، وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مُلْكِهِ وَإِذْنِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ دَلِيْلُ عَظَمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِيْنَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيْدُ} (البَقَرَة:253). (?) (?)

وَيَزِيْدُ هَذَا بَيَانًا مَعْرِفَةُ أَنَّ إِرَادَةَ اللهِ تَعَالَى نَوْعَانِ؛ شَرْعِيَّةٌ وَكَوْنِيَّةٌ؛ وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا:

أ) مِنْ حَيْثُ المَحَبَّةِ؛ الشَّرْعيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَأَمَّا الكَوْنِيَّةُ فَقَدْ يُحِبُّهَا اللهُ وَقَدْ لَا يُحِبُّهَا.

ب) مِنْ حَيْثُ الوُقُوْعِ؛ الشَّرْعِيَّةُ قَدْ تَقَعُ وَقَدْ لَا تَقَعُ، بِخِلَافِ الكَوْنِيَّةِ فَهِيَ وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَكِلَا النَّوْعَيْنِ مَقُرُوْنٌ بِالحِكْمَةِ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015