4) وَأَمَّا مَا قِيْلَ مِنْ تَوَسُّلِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِأَبِي حَنِيْفَةَ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى - كَمَا فِي التَّارِيْخِ لِلخَطِيْبِ البَغْدَادِيِّ (?) - فَنَصُّهُ (سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِنِّي لَأَتَبَرَّكُ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَجِيْءُ إِلَى قَبْرِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ - يَعْنِي زَائِرًا - فَإِذَا عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ؛ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَجِئْتُ إِلَى قَبْرِهِ، وَسَأَلْتُ اللهَ تَعَالَى الحَاجَةَ عِنْدَهُ، فَمَا تَبْعُدُ عَنِّي حَتَّى تُقْضَى)!! فهيَ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ فِيْهَا عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ؛ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوْفٍ، وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ، وَلَقَد رَأَى الشَّافِعِيُّ بِالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالشَّامِ وَالعِرَاقِ وَمِصْرَ مِنْ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مَنْ كَانَ أَصْحَابُهَا - عِنْدَهُ وَعِنْدَ المُسْلِمِيْنَ جَمِيْعًا - أَفْضَلَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ العُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُم - وَلَم يُنْقَلْ تَوَسُّلُهُ بِأَحَدٍ مِنْهُم.
بَلْ قَد جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي كِتَابِهِ الأُمِّ مِنْ كَرَاهَةِ تَعْظِيْمِ قُبُوْرِ المَخْلُوْقِيْنَ - خَشْيَةَ الفِتْنَةِ بِهَا - حَيثُ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الأُمُّ): (وَأَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ مَسْجِدٌ؛ وَأَنْ يُسَوَّى، أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوَّى - يَعْنِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوْفٌ - أَوْ يُصَلَّى إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ صَلَّى إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ وَقَدْ أَسَاءَ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ). قَالَ: وَأَكْرَهُ هَذَا لِلسُّنَّةِ وَالآثَارِ، وَأنَّهُ كَرِهَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ - يَعْنِي: يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا - وَلَمْ تُؤْمَنْ فِي ذَلِكَ الفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ). (?)
5) وَأَمَّا تَمَثُّلُ ابْنِ عُمَرَ لِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ؛ فَلَيْسَ فِيْهِ دَلِيْلٌ البَتَّةَ عَلَى التَّوَسُّلِ البِدْعِيِّ - أَيْ: بِالجَاهِ وَالذَّاتِ - وَذَلِكَ لِأُمُوْرٍ:
أ) أَنَّ هَذَا شِعْرٌ لِأَبي طَالِبٍ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ أَبَدًا؛ لِكَونِهِ لَيسِ بِمُسْلِمٍ أَصْلًا - فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقِرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ب) أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّمَا تَمَثَّلَهُ حَالَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الاسْتِسْقَاءِ، كَمَا فِي البُخَارِيِّ عَنْهُ (رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ - وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي - فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيْشَ كُلُّ مِيْزَابٍ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ) (?)، فَمَنْ أَرَادَ الاحْتِجَاجَ بِهِ؛ فَلْيَحْتَجَّ بِهِ كَمَا وَرَدَ؛ وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالدُّعَاءِ.
ج) أَنَّ أَهْلَ الحَدِيْثِ الَّذِيْنَ أَوْرَدُوا هَذَا الحَدِيْثَ لَمْ يُوَجِّهُوْهُ عَلَى التَّوَسُّلِ بِالجَاهِ وَإِنَّمَا بِالدُّعَاءِ، فَقَد بَوَّبَ عَلَيْهِ:
البُخَارِيُّ فِي الصَّحِيْحِ؛ بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا. (?)
البَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الصُغْرَى؛ بَابُ الاسْتِسْقَاءِ بِمَنْ تُرْجَى بَرَكَةُ دُعَائِهِ. (?)