الملحق الثامن على كتاب التوحيد) مختصر التوسل؛ أنواعه؛ أحكامه

المُلْحَقُ الثَّامِنُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ) مُخْتَصَرُ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ)

الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ مُفِيْدٌ لِكِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ) لِشَيْخِنَا المُحَدِّثِ الأَلبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَضَفْتُ إِلَيْهِ بَعْضَ الفَوَائِدِ إِلَى مَتْنِهِ وإلى حَاشِيَتِهِ تَتْمِيْمًا لِلفَائِدَةِ.

- الفَصْلُ الأَوَّلُ: التَّوَسُّلُ فِي اللُّغَةِ وَالقُرْآنِ:

1) مَعْنَى التَّوَسُّلِ فِي لُغَةِ العَرَبِ: قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ): (مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ، وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ). (?)

وَقَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ (?): (وَسَلَ إِلَى اللهِ تَعَالَى تَوْسِيْلًا: عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْهِ كَتَوَسَّلَ).

وَهُنَاكَ مَعْنَىً آخَرُ لِلوَسِيْلَةِ؛ وهيَ المَنْزِلَةُ عِنْدَ المَلِكِ، وَالدَّرَجَةُ وَالقُرْبَةُ. (?)

2) مَعْنَى الوَسِيْلَةِ فِي القُرْآنِ:

وَرَدَتْ لَفْظَةُ - الوَسِيْلَةِ - فِي مَوضِعَيْنِ، وَهُمَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَة وَجَاهِدُوا فِي سَبِيْلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ} (المَائِدَة:35)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُوْنَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا} (الإِسْرَاء:57).

فَأَمَّا الآيَةُ الأُوْلَى؛ فَقَد قَالَ إِمَامُ المُفَسِّريْنَ الحَافِظُ ابْنُ جَرِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تًفْسِيْرِهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ صَدَّقُوا اللهَ وَرَسُوْلَهُ فِيْمَا أَخْبَرَهُم وَوَعَدَ مِنَ الثَّوَابِ وَأَوْعَدَ مِنَ العِقَابِ؛ {اتَّقُوا اللهَ} يَقُوْلُ: أَجِيْبُوا اللهَ فِيْمَا أَمَرَكُم وَنَهَاكُم بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ. {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَةَ} يَقُوْلُ: وَاطْلُبُوا القُرْبَةَ إِلَيْهِ بِالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيْهِ). (?)

وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ فَقَد بَيَّنَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُنَاسَبَةَ نُزُوْلِهَا الَّتِيْ تُوَضِّحُ مَعْنَاهَا فَقَالَ: (نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ، فَأَسْلَمَ الجِنِّيُّوْنَ - وَالإِنْسُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَهُم لَا يَشْعُرُوْنَ! -). (?)

وَهيَ صَرِيْحَةٌ فِي أَنَّ المُرَادَ بِالوَسِيْلَةِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: {يَبْتَغُوْنَ} أَيْ: يَطْلُبُوْنَ مَا يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

3) الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَحْدَهَا هِيَ الوَسَائِلُ المُقَرِّبَةُ إِلَى اللهِ:

قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ العَمَلَ حَتَّى يَكُوْنَ صَالِحًا مَقْبُوْلًا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَفَّرَ فِيْهِ أَمْرَانِ هَامَّانِ عَظِيْمَانِ، أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ صَاحِبُهُ قَد قَصَدَ بِهَ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثَانِيَهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ مُوَافِقًا لِمَا شَرَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ، أَوْ بَيَّنَهُ رَسُوْلُهُ فِي سُنَّتِهِ، فَإِذَا اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَينِ الشَّرْطَيْنِ لَمْ يَكُنِ العَمَلُ صَالِحًا وَلَا مَقْبُوْلًا.

وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكَهْف:110) فَقَد أَمَرَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ العَمَلُ صَالِحًا، أَيْ: مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُخْلِصَ بِهِ صَاحِبُهُ للهِ، لَا يَبْتَغي بِهِ سِوُاهُ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (?): (وَهَذَانَ رُكْنَا العَمَلِ المُتَقَبَّلِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ خَالِصًا لِلَّهِ، صَوَابًا عَلَى شَرِيعَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ (?) وَغَيْرِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015