2) أَمَّا دَعْوَى أَنَّ هَذَا مِنَ التَّوَسُّلِ! فَهَذَا خَطَأٌ كَبِيْرٌ.

لِأَنَّ التَّوَسُّلَ مَعْنَاهُ التَّقَرُّبَ (?)، وَمَفَادُ الآيَةِ هُوَ اتِّخَاذُ الوَسَائِلِ المُؤَدِيَّةِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا بِخِلَافِ دُعَاءِ غَيْرِ اللهِ تَعَالى، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الأَسْبَابِ المَانِعَةِ لِرِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى أَصْلًا! (?)

3) أَمَّا الحَدِيْثُ المَذْكُوْرُ (تَوَسَّلُوا بِجَاهِي؛ فَإِنَّ جَاهِي عِنْدَ اللهِ عَظِيْمٌ) فَلَا أَصْلَ لَهُ (?)، وَأَمَّا الأَحَادِيْثُ الوَارِدَةُ فِي التَّوَسُّلِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيْحٌ وَضَعِيْفٌ، أَمَّا الصَّحِيْحُ فَلَا دَلِيْلَ فِيْهِ البَتَّةَ عَلَى المُدَّعَى؛ مِثْلَ تَوَسُّلِ الصَّحَابَةِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَتَوَسُّلِ الأَعْمَى بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ تَوَسُّلٌ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِجَاهِهِ وَلَا بِذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي -، وَلَمَّا كَانَ التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إِلَى الرَّفِيْقِ الأَعْلَى غَيْرَ مُمْكِنٍ كَانَ بِالتَّالِي التَّوَسُّلُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآنَ غَيْرَ جَائِزٍ.

وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى هَذَا؛ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لَمَّا اسْتَسْقَوا فِي زَمَنِ عُمَرَ تَوَسَّلُوا بِعَمِّهِ العَبَّاسِ، وَلَمْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُم يَعْلَمُوْنَ مَعْنَى التَّوَسُّلِ المَشْرُوْعِ - وَهوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ تَوَسَّلُوا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُعَاءِ عَمِّهِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَمَشْرُوْعٌ (?)، وَكَذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ العُمْيَانِ تَوَسَّلَ بِدُعَاءِ ذَلِكَ الأَعْمَى؛ ذَلِكَ لِأَنَّ السِّرَّ لَيسَ فِي قَوْلِ الأَعْمَى: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ)؛ وَإِنَّمَا السِّرُّ الأَكْبَرُ هُوَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَمَا يَقْتَضِيْهِ وَعْدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، ويُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ) أَي اقْبَلْ شَفَاعَتَهُ - وَهُوَ دُعَاءَهُ - فِيَّ، وَقَوْلُهُ (وَشَفِّعْنِي فِيْهِ) أَي اقْبَلْ شَفَاعَتِي - أَيْ: دُعَائِي - فِي قَبُوْلِ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيَّ، فَمَوْضُوْعُ الحَدِيْثِ كُلِّهِ يَدُوْرُ حَوْلَ الدُّعَاءِ، فَلَا عَلَاقَةَ لِلحَدِيْثِ بِالتَّوَسُّلِ المُبْتَدَعِ - وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالجَاهِ وَالذَّاتِ هُنَا -. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015