الشَّرْحُ

- هَذَا البَابُ فِيْهِ بَيَانُ الأَدَبِ الأَكْمَلِ فِي سُؤَالِ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهوَ دَلِيْلُ العِلْمِ بِهِ وَبِتَعْظِيْمِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ سُبْحَانَهُ.

- قَوْلُهُ تَعَالَى {الحُسْنَى}: مُؤَنَّثُ أَحْسَن، وَهيَ اسْمُ تَفْضِيْلٍ، وَمَعنى الحُسْنَى، أَي البَالِغَةُ فِي الحُسْنِ أَكْمَلَهُ، وَاللَّامُ هُنَا لِلاسْتِحْقَاقِ.

وَالحُسْنُ فِي الأَسْمَاءِ يَكُوْنُ رَاجِعًا إِلَى أَنَّ الصِفَةَ الَّتِيْ اشْتَمَلَ عَلَيهَا ذَلِكَ الاسْمُ تَكُوْنُ حَقًّا؛ مَوْجُوْدَةً فيمَنْ تَسَمَّى بِهَا، وَالإِنْسَانُ - وَإِنْ تَسَمَّى بِاسمٍ فِيْهِ مَعنَىً - فَقَد لَا يَكُوْنُ فِيْهِ مِنْ ذَلِكَ المَعْنَى شَيْءٌ، فَيُسَمَّى صَالِحًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ صَالِحًا -، وَيُسَمَّى خَالِدًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ خَالِدًا -، وَيُسَمَّى مُحَمَّدًا - وَقَد لَا يَكُوْنُ كَثيرَ خِصَالِ الحَمْدِ - وَهَكَذَا، فَإِنَّ الإِنْسَانَ قَد يُسَمَّى بِأَسْمَاءٍ كَثِيْرَةٍ؛ لَكِنْ لَا تَكُوْنُ فِي حَقِّهِ حُسْنَى. (?)

- قَوْلُهُ تَعَالَى {فَادْعُوْهُ بِهَا}: اعْلَمْ أَنَّ دُعَاءَ اللهِ بِأَسْمَائِهِ لَهُ مَعْنَيَانِ:

1) دُعَاءُ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمَا تَقْتَضِيْهِ تِلْكَ الأَسْمَاءُ، فَمَثَلًا اسْمُ الرَّحِيْمِ يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ، وَحِيْنَئِذٍ تَتَطَلَّعُ إِلَى أسَبْابِ الرَّحْمَةِ وَتَفْعَلُهَا.

وَالسَّمِيْعُ: يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمُقْتَضَى السَّمْعِ، بِحَيْثُ لَا تُسْمِعُ اللهَ قَوْلًا يُغْضِبُهُ وَلَا يَرْضَاهُ مِنْكَ.

وَالبَصِيْرُ: يَقْتَضِي أَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ البَصَرِ، بِحَيْثُ لَا يَرَى مِنْكَ فِعْلًا يَكْرَهُهُ مِنْكَ. (?)

2) دُعَاءُ المَسْأَلَةِ، وَهوَ أَنْ تُقَدِّمَ هَذِهِ الأَسْمَاءَ بَيْنَ يَدِي سُؤَالِكَ مُتَوَسِّلًا بِهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى.

مَثَلًا: يَا حَيُّ؛ يَا قَيُّومُ؛ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: (قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيْرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ). (?)

وَالإِنْسَانُ إِذَا دَعَا وَعَلَّلَ، فَقَد أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ بِهَذَا الاسْمِ طَالِبًا أَنْ يَكُوْنَ سَبَبًا لِلإِجَابَةِ، وَالتَّوَسُّلُ بِصِفَةِ المَدْعُوِّ المَحْبُوْبَةِ لَهُ هُوَ سَبَبٌ لِلإِجَابَةِ، فَالثَّنَاءُ عَلَى اللهِ بِأَسْمَائِهِ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الإِجَابَةِ. وَالآيَةُ هُنَا تَحْتَمِلُ المَعنَيِيْن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015