- وَجْهُ إِنْكَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الرَّجُلِ هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيْمِ لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَإِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِ عَلَى التَّالِي لِلحَدِيْثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوْصِ لَيْسَتْ مِنَ المُتَشَابِهَاتِ الَّتِيْ تُتْرَكُ، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ بِمَعْنَاهَا وَمَا فِيْهَا مِنَ الفَوَائِدِ وَالعِبَرِ - مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَخَوْفِ المَخْلُوْقاتِ مِنْهُ (كَالنَّارِ هُنَا فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ، وَسَيَأْتِي) -، لَكِنْ تُوْكَلُ كَيفِيَّةُ وَحَقِيْقَةُ مَا فِيْهَا مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا هُوَ مَنْهَجُ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم.

فَالمُنْتَفِضُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا كَمَا سَلَّمَ لِغَيرِهَا، وَالوَاجِبُ هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (آمَنْتُ بِاللهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ؛ عَلَى مُرَادِ اللهِ، وَآمَنْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ وَبِمَا جَاءِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ؛ عَلَى مُرَادِ رَسُوْلِ اللهِ). (?)

فَالمُتَشَابِهُ هُنَا فَهُوَ كَيْفيَّةُ وَحَقِيْقَةُ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَمَثَلًا صِفَةُ السَّمْعِ للهِ تَعَالَى ثَابِتَةٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَعْنَاهَا مَفْهُوْمٌ مِنْ سَمَاعِهِ تَعَالَى لِجَمِيْعِ خَلْقِه، وَلَكِنَّ كَيْفِيَّةَ السَّمَاعِ مَجْهُوْلَةٌ لَنَا، فَالمُتَشَابِهُ هُنَا هُوَ الكَيْفيَّةُ وَلَيْسَتِ الصِّفَةُ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (?): (وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أنْكَرَ عَلَى مَنْ اسْتَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ النُّصُوْصِ؛ وَزَعَمَ أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ! فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيْه؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ ابْنَ عبَّاسٍ بحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ)، وَفِيْهِ: (فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ) - أَوْ قَالَ: (قَدَمَهُ) فِيْهَا - (?)، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَانْتَفَضَ، فَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: (مَا فَرَقُ هَؤْلَاءِ، يَجِدُوْنَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ، وَيَهلَكُوْنَ عندَ مُتَشَابِهِهِ). وَخَرَّجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوِيْه فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ تَأْوِيْلٌ لَذَكَرَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَسَعْهُ كِتْمَانُهُ) ـ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015